والخبران (١) لا يمكن الاستدلال بهما ، مع أنّهما معارضان بغيرهما ، نعم يمكن أن يستدل عليه بالمرفوعة (٢) ، حيث إنّها حكمت بالعمل بما طابق الاحتياط من الخبرين بعد فقد المرجّحات ، إلا أنّ لازم الأخذ بها ترجيح الموجب على المبيح أيضا ، مع أنّها ضعيفة السند ولا جابر لها (٣) ، ومجرّد الشهرة التطابقيّة لا يثمر في جبرها ، مع أنّ الشهرة إنّما هي بين العامّة ، فلا تعويل عليها ؛ خصوصا إذا كان نظرهم إلى مثل قوله عليهالسلام «دع ما يريبك ..» ، وقوله عليهالسلام «ما اجتمع .. الى آخره» ، أو إلى أنّ الحاظر ناقل فهو أولى بالأخذ ؛ من جهة أنّ التأسيس أولى من التأكيد ، فإنّه إذا علم مدرك الشهرة وفساده ؛ فلا يصح الاعتماد عليها ، وإن كانت من الخاصّة فضلا عن كونها من العامّة.
ثمّ إنّه ذكر في الرسالة (٤) أنّه يشكل الفرق بين ما ذكروا من الخلاف في تقديم المقرّر على الناقل ، وإن حكي عن الأكثر تقديم الناقل ، وعدم ظهور الخلاف في تقديم الحاظر على المبيح ، فخلافهم في الأولى ينافي وفاقهم في الثانية ، مع أنّهما من جزئيّات الأولى ، ثمّ أجاب :
أولا : بإمكان تخصيص الأولى بدوران الأمر بين الوجوب وعدمه ، ولذا رجّح
__________________
(١) المقصود بالخبرين : «كل شيء مطلق ..» و «دع ما يريبك ..».
(٢) وهي مرفوعة زرارة المشهورة في بيان المرجّحات ، وقد مرّ تخريجها والبحث فيها.
(٣) إن كان مراده من ضعف سندها ما يتحقق بنفس الإرسال باعتبار دخول المرفوعة في المرسلة بالمعنى الأعم فهنا بحث في رفع الخبر من مثل زرارة أو ابن أبي عمير أو محمد بن مسلم وخلاصته : أنّ للأصحاب قولين أو ثلاثة في المسألة وهي :
١ ـ عدم قبول المرفوعة مطلقا لكونها تدخل في نطاق الرواية المرسلة.
٢ ـ قبول المرفوعة إذا كان الرافع لها ثقة.
٣ ـ قبول المرفوعة فيما لو كان الرافع لها من أصحاب الإجماع لحكم الأصحاب بتصحيح ما يصح عنهم كما في مثل محمد بن مسلم وزرارة وابن أبي عمير وأمثالهم ، دون من عداهم من الرواة.
فالمشهور بين الرجاليين هو الأول وبعده الثالث. أقول : لا يبعد أن يكون مراده ضعف المرفوعة لعنوان الرفع ذاته الموجب لجهالة الواسطة مطلقا.
(٤) فرائد الأصول : ٢ / ١١٧ ، ٤ / ١٥٦.