الصدور ، فلا يبقى مورد للحمل على التقيّة ، ويمكن أن يقرّر على وجه الحكومة ؛ وذلك لأنّ الشكّ في التقيّة وعدمها ناش عن الشك في الصدور ، فإذا حكم ـ بمقتضى المرجّح الصدوري ـ بعدمه فيرتفع الشك ، فالمرجّح الصدوري حاكم على الجهتي ، وأمّا تقديمه المضموني على الصدوري فمن جهة أنّه أقوى ، وكذا تقديم الكتاب على غيره من المرجّحات المضمونيّة وغيرها.
ويمكن أن يكون تقديم المضموني على الصدوري لا من جهة الأقوائيّة ؛ بل لأنّ حيث المضمون أولى بالاعتبار من حيث الصدور ؛ لأنّ اعتبار المرجّح الصدوري إنّما هو من جهة كون مضمونه أقرب إلى الواقع ؛ لأنّه أقرب إلى الصدور ، فكلامه ليس ناظرا إلى الأقوائيّة إلا في تقديم موافقة الكتاب على غيرها ، فغرضه أنّ الأنواع الثلاثة مترتبة في الاعتبار من حيث هي ، وإن كان النوع الثاني أو الثالث أقوى من حيث بعض أفراده بالنسبة إلى مقابله ، فإذا فرضنا أنّ الأعدليّة أقوى من الأفقهيّة ، ولو في خصوص مقام لا تقدم عليها (١) ؛ لأنّ الأفقهيّة من المرجّحات المضمونيّة ، وهي أولى من الأخذ بالصدوريّة ؛ وهكذا في غيرها من المرجحات الصدوريّة بالنسبة إلى المضمونيّة ، وكذا في الجهتيّة بالنسبة إلى الصدوريّة.
وكيف كان ؛ ففيما ذكره من تقديم الصدوريّة على الجهتيّة نظر من وجوه :
أحدها : أنّا نمنع أنّ الحمل على التقيّة فرع الصدور ، ولا بدّ أوّلا من إحرازه ، ثمّ الحمل على التقيّة ، بل يكفي فيه كون الخبر من حيث هو واجدا لشرائط الحجيّة ، إذ ليس المراد من الحمل عليها الحكم بالصدور تقيّة ، بل طرح الخبر من جهة احتمال كونه صادرا تقيّة ، نعم يعتبر فرض الصدور في الحمل عليها.
فحاصل الترجيح حينئذ أنّ الخبر الموافق للعامّة ـ على فرض صدوره ـ صدر تقيّة فلا يلزم أن يحرز صدوره أولا حتى يقال إنّ المرجّح الصدوري يقتضي عدم صدوره ، فكما أنّ معنى الأخذ بالأعدل عدم الاعتناء بخبر غير الأعدل ، فكذلك معنى الأخذ بالخبر المخالف عدم الاعتناء بالموافق ؛ من جهة احتمال التقيّة ـ على فرض الصدور
__________________
(١) المقصود أنّه في أكثر من مقام لا تقدم الأعدليّة على الأفقهيّة للوجه الذي ذكره من كونها من المرجّحات المضمونيّة مع كون الأعدليّة من حيث هي أقوى من الأفقهيّة.