العظمى فقيه طائفة الإماميّة السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدسسره ، فقد حاز من الفقه قصبه المعلّى وارتقى من أثباج العلم أعلاها ، فهو بحق المصداق الكامل لمن فرّع الفروع عن الأصول ، وأرجع الصغريات إلى كبرياتها ، وقد دأب على ذلك طيلة حياته.
ولم يفتأ مؤلّفا ، محققا ، للعلماء مربيا ، وللفقهاء موجها وراعيا وحافظا ، على رغم ما اشتملت عليه الفترة الزمنيّة التي عاشها ممّا يوجب اشتغال البال وتشتت الحال ؛ من فتن وحروب داخليّة وخارجيّة ، كآثار ومجترّات فتنة الزگرت والشمرت ، وما جرّته مسألة المستبدّة والمشروطة ، وتداعيات ثورة العشرين في العراق ، وما ترتب على الاحتلال البريطاني للعراق من ويلات على الشيعة عامّة ؛ وعلى أهل العراق خاصة ، وقد حاول بحنكته السياسيّة ـ قدر الجهد والطاقة ـ تجنيب وإبعاد الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عن كل ذلك ، رغم دعمه الجلي للمقاتلين والمجاهدين المتوجهين لمقاتلة الإنجليز آنذاك ، بل كان على رأس من أرسلهم لذلك ابنه السيد محمد (١) ، وكان من خيرة أفاضل النجف الأشرف وعلماءها ، كل ذلك حفظا لكيان التشيع عن الضياع والتشتت ، وتوحيدا لصفّ المؤمنين في مقابلة العدوّ المشترك ، ولذا فالتاريخ قد نقل لنا الكثير من رسائله لأطراف البلاد آنذاك من شيوخ العشائر والقبائل والعلماء والمشايخ والوكلاء عنه في النواحي داخل العراق وخارجه يحثهم على الجهاد والحركة ضد الاستعمار آنذاك (٢).
فكان بحقّ الفقيه في سياسته والسياسي في تدبيره لأمور الناس ، كما كان على الصعيد الفقهي المبرّز بين أقرانه ومعاصريه ، بل قد اشتهر بذلك جدا حتى دان له
__________________
(١) وقد قال في رسالته للمجاهدين بعد أن أرسل ابنه السيد محمد : فإنّه لمّا دهم الخطب واستفحل البلاء وأعضلت النازلات على ثغور الإسلام ... ألا وإني رغبة إلى الله جلّ شأنه وابتغاء مرضاته وحرصا على الدفاع عن دينه الأقدس وناموسه الأعظم قد قدّمت إليكم أعزّ ما عندي وأنفس ما لدي ولدي وفلذة كبدي السيد محمد سلّمه الله تعالى ، آثرتكم به مع مسيس حاجتي له وشدّة عوزي إليه ... ، النجف الأشرف وحركة الجهاد ؛ كامل سلمان الجبوري : ص ١٠٠.
(٢) راجع كتاب : النجف الأشرف وحركة الجهاد عام ١٩١٤ م ؛ لكامل سلمان الجبوري ـ الطبعة الأولى سنة ١٤٢٢ ه ، مطبعة العارف / لبنان.