حيث احتماله للتقيّة ، ولا يعتبر في المقامين إلا كون كل من الخبرين واجدين لشرائط الحجيّة ، ولا يعتبر العلم بصدور الخبر المحمول على التقيّة ، ولا الحكم بصدوره ، إذ لا يؤخذ به ثمّ يحمل على التقيّة.
ومن المعلوم أنّه إذا دلّ دليل على وجوب الترجيح بالأعدليّة ، ودليل آخر على وجوب الترجيح بالمخالفة من جهة احتمال الحمل على التقيّة ، فهما في عرض واحد ، فإذا تعارضا لا وجه لتقديم أحدهما على الآخر ، ولا حكومة في البين (١).
الثالث : قد عرفت سابقا أنّه لا مانع من شمول دليل الحجيّة للخبر الذي يجب حمله على التقيّة ، وكذا الخبر المجمل ، وأنّه لا يلزم كون الخبر ممّا له أثر عملي ، إذ معنى شمول الدليل أنّ الخبر صادر شرعا ، فإن ترتب عليه أثر عملي يرتب ، وإلا فلا يكون كالخبر المعلوم الصدور الذي يجب حمله على التقيّة ، أو يكون مجملا ، فالحكم بالحجيّة كالحكم بالطهارة والنجاسة وسائر الأحكام ، ألا ترى أنّه يجوز الحكم بطهارة الماء الذي لا يترتب عليه أثر عملي كالماء الموجود في وسط البحار ، وبحليّة الثمرة الكائنة على الأشجار الموجودة في موضع لا يصل إليه المكلّفون ؛ هذا مع أنّ الأثر متحقق في المقام بالنسبة إلى بعض المكلّفين ، وهم الموجودون في الصدر الأول ؛ الذين يجب عليهم العمل على وفق الخبر الصادر تقيّة.
نعم ؛ هذا لا يجري في الخبر الصادر على وجه الاتقاء ، بأن تكون التقيّة من الإمام عليهالسلام ؛ هذا مع أنّ مقتضى ما ذكره قصر الحمل على التقيّة في الأخبار القطعيّة ، ففي الظنيين لا يمكن الحمل على التقيّة ولو في صورة التكافؤ من حيث المرجّحات الصدوريّة ، إذ لو لم يكن معنى للأخذ بالخبر وحمله على التقيّة لم يكن فرق بين ما لو كان هناك مرجّح صدوري أو لم يكن ، إذ لا تفاوت (٢) في كون جهة الصدور متفرعة على الصدور بين الصورتين ، ففي المتكافئين أيضا لم يحرز الصدور حتى يحمل
__________________
(١) فيكون أثر كلامه في الرجوع لمرجح آخر غيرهما ، أو البحث عن مرجح لأحدهما على الآخر ؛ وفيه بحث قد تقدم منه من أنّه مع تعارض المرجحين هل يرجح بينهما بمرجح آخر ، أي يعمل بمقتضى قواعد التعادل والترجيح أم لا؟ بأن يتوقف ؛ قولان.
(٢) في النسخ هكذا : لا يتفاوت.