أما بالنسبة إلى الأصول العقليّة كأصالة البراءة والاحتياط والتخيير العقليّات ، فلا إشكال في أنّه من باب الورود ، إذ موضوعاتها ـ نحو عدم البيان في الأولى واحتمال العقاب في الثانية (١) ـ ترتفع بالدليل الاجتهادي الظني ضرورة أنّ حكم العقل معلّق على عدم ما يكون حجّة شرعيّة ، بل ترتفع موضوعاتها إذا كان في قبالها أصل تعبدي شرعي فضلا عن الدليل الاجتهادي ، كما هو واضح.
وأمّا بالنسبة إلى الأصول التعبديّة الشرعيّة كالاستصحاب وأصل البراءة بناء على اعتبارها بالأخبار المقرّرة لحكم العقل ، فيمكن أن يقال فيه وجوه ؛ وقبل الشروع (٢) نذكر أمرين :
أحدهما : إنّ المعارضة البدويّة إنّما هي بين الأصول ونفس الأدلّة ، لا بينها وبين دليل اعتبار الأدلة وبين (٣) دليليهما ، وقد يتخيّل أنّها بين دليليهما بدعوى أنّ قول العادل مثلا مع قطع النظر عن دليل الاعتبار لا اعتبار به ، فلا يعدّ معارضا للأصل.
وفيه : ما لا يخفى! إذ التنافي إنّما هو بين نفسيهما ، ودليل الاعتبار لا يفيد إلا الاعتبار ، فقول المخبر «التتن حرام» مناف لقوله «المشكوك حلال» غاية الأمر أنّه مع عدم اعتباره لا اعتبار بمنافاته ولا يضر في الأخذ بالأصل ، وإلا فالمنافاة حاصلة قبل دليل الاعتبار ، ولازم هذا القول أنّه لو فرض كون دليل الأصل أيضا خبرا ظنيا كان التعارض بين آية النبأ ونفسها مثلا ، بل لازمه في تعارض الخبرين الظنيين أن يكون التعارض بين دليليهما ، وليس كذلك قطعا.
الثاني : إنّ المراد من الدليل الاجتهادي على ما ذكره المحقق الأنصاري قدسسره في أواخر باب الاستصحاب : ما يكون ناظرا إلى الواقع ، واعتبر من حيث نظره وكشفه عن الواقع (٤) كالأخبار في الأحكام ، والأمارات في الموضوعات ، فحينئذ ما لا يكون ناظرا أو يكون معتبرا لا من حيث نظره وكشفه عن الواقع يكون من الأصول
ويمكن أن يقال إنّ الاعتبار بكيفيّة الاعتبار ؛ فما اعتبر لاستكشاف الواقع دليل
__________________
(١) بعدها في نسخة (ب) : والتنجز في الثالثة.
(٢) بعدها في النسخة ب : فيها.
(٣) في نسخة (ب) : أو بين.
(٤) كلمة «وكشفه عن الواقع» لا توجد في النسخة (ب).