هذا في الأصول التي لها (١) لسان التنزيل واضح ، وفي الأصول التي لسانها تنزيل الشيء بمنزلة الواقع أيضا كذلك ، لأنّ مؤداها منزّل منزلة الواقع لا نفسه ، وكون مؤدّى الأمارات أيضا كذلك بالأخرة لا يضرّ ، لأنّ العمل بها بعنوان أنّها نفسه ، وإن كان هذا العمل نحوا من التنزيل ، وهذا نظير ما نقول إنّ مؤديات الطرق أحكام واقعيّة لا ظاهريّة ، وإن كانت ظاهريّة من وجه ، وهو أنّ الحكم بأنّ الواقع كذا حكم ظاهري تعبدي ، ولذا في مقام نيّة الوجه ينوي الوجه الواقعي فيها ، دون الأصول ، فلا تغفل!
فإن قلت : إنّ ما ذكرت فيما إذا لم يكن الدليل الاجتهادي معلّقا على الشك ، ودليل اعتباره (٢) ، كأخبار الآحاد والبيّنة ونحوهما ، وأمّا إذا كان كذلك فلا ، مثلا إذا قال إذا شك الإمام أو المأموم يرجع إلى قول الآخر ، فإنّه في عرض قوله إذا شك فليبن على الحالة السابقة ، وكون قول الإمام أو المأموم كاشفا عن الواقع دون الحالة السابقة لا يثمر في التقديم ، بعد كون الكاشفيّة شرعا معلّقة على الشك ، إذ يتعارض الدليلان حينئذ ؛ أحدهما يقول ابن على كذا في مقام العمل ، والآخر يقول عيّن الواقع بكذا فمقتضى الأوّل أنّه لا يرجع إلى قول الإمام حتى يعين الواقع.
قلت : إذا فرضنا في المثال المذكور كون قول كلّ من الإمام والمأموم معتبرا من حيث الكاشفيّة ، نقول إنّ معناه حينئذ إذا شكّ الإمام فليزل شكّه بالرجوع إلى المأموم ، وبالعكس ، بخلاف قوله فليبن على الحالة السابقة ، فهذا التقييد في الحقيقة تصريح بما هو معلوم من الخارج ، من أنّ الرجوع إلى الطريق الظنيّة إنّما يكون حين الشك ، بمعنى عدم العلم بالواقع.
ولو فرضنا كونه تقييدا زائدا على ذلك نقول حينئذ : إنّه من الأصول ، أو إنّ المراد البناء (٣) في مقام العمل على أنّ الواقع كذا .. نظير (٤) أخبار القرعة : فإنّ ما عيّنته ليس نفس الواقع ، بل منزّل منزلته ، ويكون حينئذ في عرض الاستصحاب إلا أن يدّعى حكومة أحدهما على الآخر ، كما في حكومة بعض الأصول على بعض فتدبر.
__________________
(١) في نسخة (ب) : التي ليس لها.
(٢) في نسخة (ب) : في دليل اعتباره.
(٣) في نسخة (ب) : وأنّ المراد أو البناء.
(٤) لا توجد في نسخة (ب) كلمة «كذا» والموجود : كأخبار ...