الأدلة أيضا حين الشك ، لأنّه حينه يحكم بانكشافه وأنّ مؤدى الأمارة نفسه ، فإذا قال إذا شككت (١) فاستكشف الواقع من الأمارة الفلانيّة ، فقد حكم بأنّ مؤداها نفس الواقع ، وبعد ثبوته (٢) لا موقع للرجوع إلى ما يكون مرجعا لحكم العمل حين عدم العثور على الواقع.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الحكومة إنّما هي بالنسبة إلى نفس الأدلة ، لا بلحاظ أدلة اعتبارها ، وإنّما تفيد هي مجرد الاعتبار ، فالمخبر بالواقع مثبت له ، والشارع يحكم بوجوب الرجوع إلى قوله ، يعني أنّ الواقع كما أخبر به ، ويلزمه العثور عليه ، فكأنّ الشارع من الأول أخبر بذلك الواقع.
نعم ؛ للشارع أن يسقط نظر الدليل ، ويجعل اعتباره لا بلحاظ إراءته الواقع ، فحينئذ لا يفيده نظره وإراءته ، كما أنّ له أن يجعل غير الكاشف كاشفا تعبديا ، وحينئذ يكون الحاكم أيضا هو ذلك الدليل ، إذ هو المثبت للواقع ، غاية الأمر أنّ ذلك بجعل الشارع.
والحاصل : أنّ الأمارة إمّا أن تكون ناظرة بنفسها إلى الواقع ويعتبرها الشارع بلحاظ نظرها ، وإمّا أن تكون ناظرة (٣) ويعتبرها تعبدا ، وإمّا أن لا تكون ناظرة ويجعلها الشارع كاشفا تعبديا ، فعلى الأولين هي بنفسها حاكمة ؛ إلا أنّه على الثاني أسقط الشارع حكومتها واعتبرها تعبدا (٤) ، وعلى الثاني وإن لم تكن حاكمة بنفسها إلا أنّها تصير كذلك بجعل الشارع لها كاشفا ، فتكون الحكومة بلحاظ إراءتها للواقع لا بلحاظ أنّ دليل الاعتبار يقتضي إلغاء الاحتمال.
فتحصل أنّ سرّ التقديم كون المؤدّى في الأمارات نفس (٥) الواقع الأولي ، وفي الأصول حكم العمل من غير نظر إلى أنّ الواقع ما ذا.
__________________
(١) في نسخة (ب) بعدها : في الواقع.
(٢) في نسخة (ب) : وبعد ثبوت الواقع.
(٣) هذه الكلمة «ناظرة» سقطت من نسخة (ب).
(٤) بعدها في نسخة (ب) : فتكون من الأصول ويلحقها حكمها ، وعلى الثالث ...
(٥) في نسخة (ب) : هو نفس.