السند إنّما يفيد مجرد الاعتبار ويجعله كمعلوم الصدور ، ومن المعلوم أنّ تقديم دلالة الخاص على العام أو المطلق ليس إلا من باب التخصيص أو التقييد.
والحاصل : أنّ الخاص الناص ، أو الأظهر من حيث هو مقدّم على العام في نظر العقلاء ويكون مخصّصا له ، وقرينة عليه ، فإن كان قطعيا فلا إشكال ؛ لأنّ القرينة حينئذ قطعيّة ، وإن كان ظنيا من حيث السند ، فإن كان بناؤهم على العمل بهذا الظن أيضا ، وقد أمضاه الشارع فلا إشكال أيضا ، وإلا فلا يجعلونه مقدّما ، لا من حيث عدم كونه ولا من حيث هو قرينة (١) ، بل لشكهم في سنده ، فإذا (٢) فرضنا أنّ الشارع اعتبره وجعله في حكم معلوم الصدور ، فيكون مقدّما عندهم أيضا ، لكونه قرينة معتبرة ، واعتبار العموم عندهم معلّق على عدم القرينة المعتبرة ، فإذا فرضنا منع الشارع عن العمل بما يكون معتبرا عند العقلاء ، فيكون من باب إسقاط القرينة عن الاعتبار ، فينفي وجوب العمل بالعام بحاله.
ومجمل الفرق بين ما ذكرت من التحقيق وما ذكره المحقق الأنصاري قدس سرّه (٣) : أنّه يجعل التعارض بين أصالة الظهور ودليل اعتبار السند ، ويجعله حاكما عليها ، أو واردا ؛ على الوجهين المتقدمين ، وعلى ما ذكرت لا يكون التعارض إلا بين الدلالتين ، وبحكم العقل والعرف النص والأظهر مقدّمان على أصالة الظهور (٤) ، بعد الفراغ من سندهما ، ودليل الاعتبار يجيء بلا معارض ، ويحكم باعتبارهما ، ويجعلهما كمعلوم الصدور ؛ من غير نظر إلى أنّ مفادهما معارض مع شيء أم لا.
كما هو الشأن في أدلّة الاعتبار ، إذ هي متكفلة لبيان أنّ الخبر صادر وأنّ تصديق العادل واجب ، وأمّا أنّ مفاده ما ذا؟ فلا نظر لها إليه ألا ترى أنّه لو كان الخبر شارحا للعموم ومبينا له بصراحة لفظه ، لا يجعل سنده معارضا لذلك العموم ، فكذا إذا كان
__________________
(١) لعل في الكلام سقطا والمراد لا من حيث جعله ، أو لا من حيث جعله النعتي ولا الوجود المحمولي.
(٢) في نسخة (ب) : وإذا.
(٣) في نسخة (ب) : بدل «الأنصاري» : المتقدم ؛ ولا يوجد قدس سرّه.
(٤) في النسخة هكذا : ويحكم العقل والعرف للنص والأظهر مقدمان ....