______________________________________________________
كل من الدعويين. وحينئذ يقع الكلام في أمور.
الأول : في أن الحكم الصادر من الحاكم ليس حكماً واقعياً عندنا ، لما يستفاد من النصوص : مثل قول أبي عبد الله (ع) في صحيح هشام ابن الحكم : « قال رسول الله (ص) : إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان ، وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً ، فإنما قطعت له به قطعة من النار » (١). فإنه كالصريح في أن حكم الحاكم لا يغير الواقع ولا يبدله الى حكم آخر ، فاذا حكم ببطلان الدعوى لم يكن ذلك موجباً لبطلانها واقعا ، بل الواقع بحاله.
ولأجل ذلك يقع الكلام في الأمر الثاني وهو : أنه إذا كان الأمر الواقعي بحاله باقياً ، يقع الإشكال في جواز الحكم في مورد التحالف ، للعلم بمخالفته للواقع ، فكيف يجوز له الحكم ببطلان كلتا الدعويين ، مع العلم بأن إحداهما ثابتة في الواقع؟! فالحكم المذكور مع هذا العلم حكم على خلاف الواقع. وقد تعرضوا لدفع الاشكال المذكور بوجوه مذكورة في مباحث حجية القطع.
ولعل الأسد أن يقال : إن ما دل على لزوم حسم النزاع ، والمنع من وقوع الفساد المترقب منه ، اقتضى جواز الحكم المذكور وإن كان على خلاف الواقع. مثل ما إذا توقف دفع اللص على دفع مقدار من المال إليه ، فإن وجوب الدفع لا يقتضي استحقاق اللص للمقدار المدفوع اليه ، ولا يخرج المدفوع من ملك مالكه ، ولا عن تحريم التصرف فيه بغير إذنه ، فيحرم على اللص التصرف فيه ، ويجب إرجاعه إلى الدافع ، وإن وجب دفعه اليه وتمكينه منه ، لدفع ضرره واتقاء شره ، مع بقاء المدفوع على ملك مالكه ، وترتب جميع احكامه عليه. ففي المقام يكون
__________________
(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.