.................................................................................................
______________________________________________________
الدعوى الثانية : جريان البراءة الشرعية.
والدعوى الأولى مبنية على عدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف إلى العلم التفصيلي والشك البدوي ؛ لأن أساس القول بالبراءة على الالتزام بانحلال العلم الإجمالي وعدم تأثيره.
والمصنف أنكر الانحلال وقال باستحالته بوجهين :
الأول : أن الانحلال يستلزم الخلف.
والثاني : أنه يستلزم التناقض حيث يلزم من فرض الانحلال عدم الانحلال وكلاهما محال.
وأما استلزامه الخلف : فلأن المفروض توقف الانحلال على تنجّز وجوب الأقل على كل تقدير ، سواء كان الواجب الواقعي هو الأقل أو الأكثر مع إنه ليس كذلك ، فإن الواجب الواقعي لو كان هو الأكثر لم يكن وجوب الأقل منجزا ؛ إذ وجوب الأقل حينئذ يكون مقدميا ومن باب تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة في التنجز ، والمفروض : عدم تنجز وجوب ذي المقدمة وهو الأكثر لجريان البراءة فيه على الفرض ، فليس وجوب الأقل ثابتا على كل تقدير ، مع أن المعتبر في الانحلال وجوبه كذلك ، وهذا خلاف الفرض.
وأما لزوم محذور عدم الانحلال من الانحلال فتوضيحه : أن انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي موقوف على العلم بوجوب الأقل تفصيلا ، وهذا العلم التفصيلي موقوف على تنجز وجوب الأقل مطلقا نفسيا كان أو غيريا ، وتنجز وجوبه الغيري يقتضي تنجز وجوب الأكثر نفسيا حتى يترشح منه الوجوب على الأقل ويصير واجبا غيريا.
ولا يخفى أن تنجز وجوب الأكثر يقتضي عدم الانحلال ، فيلزم من الانحلال عدم الانحلال وهو محال.
هذا تمام الكلام في الوجه الأول الذي استدل به المصنف على لزوم الاحتياط عقلا.
وأما الوجه الثاني على وجوب الاحتياط عقلا : فقد أشار إليه بقوله : «مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر».
وتوضيح الاستدلال بالوجه الثاني على وجوب الاحتياط عقلا يتوقف على مقدمة وهي : أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والأغراض على مذهب العدلية.