والدم والبصاق والقيح أيضا ممّا لا تحلّه الحياة ـ إلاّ أنّ الدم منها قد عدّوه في النجاسات إذا كان ممّا له نفس ، والبواقي مائعات تنجس بملاقاة الميتة ، فلا وجه لذكر طهارتها ، ولم يدلّ دليل خارجي على (١) عدم تنجّسها كما في اللبن والإنفحة ، فلذا لم يذكروها.
نعم ، كان عليهم ذكر مثل البعرة (٢) القابلة للتطهير أيضا كما ذكروا العظم والسنّ ونحوهما (٣). ويمكن أن يكون الوجه في عدم ذكرها : أنّ الكلام في الميتة مطلقا سواء كان ممّا يؤكل أو لا يؤكل ، والبعرة إنّما تطهر ممّا يؤكل خاصّة وقد ذكروها ، بل ذكر طهارتها حال الحياة مع انفصالها يدلّ عليها بعد الموت أيضا وإن احتاجت إلى الغسل بالملاقاة.
ثمَّ ما ذكر في البحث المذكور إنّما هو طهارة تلك الأمور المعدودة ، وأمّا حلّيتها فالظاهر ـ المقتضي للأصل المصرّح به في بعض العبارات ، كالشرائع والنافع (٤) وغيرهما (٥) ـ الحلّية ، وعلى هذا فهي حلال أيضا إذا لم تحرم من جهة أخرى ، من إيجاب ضرر أو خباثة معلومة أو نصّ ، كبيض ما لا يؤكل لحمه ، وقد مرّ في البحث المذكور ما يدلّ على حلّ بعضها.
وتدلّ عليه أيضا روايتا ابن أبي يعفور وداود المتقدّمتين في المسألة الثامنة من الفصل الأول (٦) ، مضافا إلى الأصل والعمومات السليمة عن المعارض ، لعدم صدق الميتة عليها ، إذ لا روح لها حتى تصير بخروجه ميتة.
__________________
(١) هنا زيادة لفظ : طهارة ، في جميع النسخ ، ولم نعرف له وجها.
(٢) البعرة : وهي من البعير والغنم بمنزلة العذرة من الإنسان ـ مجمع البحرين ٣ : ٢٢٧.
(٣) انظر الروضة ٧ : ٣٠١ ، المسالك ٢ : ٢٤٣ ، كشف اللثام ٢ : ٨٥.
(٤) الشرائع ٣ : ٢٢٢ ، المختصر النافع : ٢٥٣.
(٥) انظر المسالك ٢ : ٢٤٢ ، الكفاية : ٢٥٠.
(٦) في ص : ٧٠.