فأخبره بوجعه وشربه ، فقال : « يا ابن أبي يعفور ، لا تشرب فإنّه حرام ، إنّما هو الشيطان موكّل بك ولو قد يئس منك ذهب » فلمّا رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشدّ ممّا كان فأقبل أهله عليه ، فقال لهم : والله ما أذوق منه قطرة أبدا ، فآيسوا منه أهله ، وكان يهمّ (١) على شيء ولا يحلف ، فلمّا سمعوا آيسوا منه واشتدّ به الوجع أيّاما ثمَّ أذهب الله به عنه ، فما عاد إليه حتى مات رحمهالله (٢).
ومستند الثالث : أدلّة الأول ، مضافة إلى النهي عن إلقاء النفس إلى التهلكة وقتلها.
قال الله سبحانه ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (٣).
وقال ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ) (٤).
ووجوب حفظها عقلا ونقلا ، وكون محافظتها مقدّمة على أكثر الواجبات.
أقول : لا شكّ أنّ أخبار المنع ـ التي هي حجّة الثاني ـ كلّها عامّة بالنسبة إلى الاضطرار والعسر والضرر وعدمها ، بل بالنسبة إلى المندوحة عنه وعدمها.
وأدلّة الجواز منها أخصّ مطلقا من ذلك ، من جهة اختصاصها بالضرورة والخمر ، كالموثّقة ورواية الدعائم ومرسلة العلل (٥) ، الموافقة لعمومات الكتاب من قوله سبحانه ( إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) (٦) وما نفى
__________________
(١) في النسخ : يتهم ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) رجال الكشي ٢ : ٥١٦ ـ ٤٥٩. والحسوة : الجرعة من الشراب ـ مجمع البحرين ١ : ٩٩.
(٣) النساء : ٢٩.
(٤) الإسراء : ٣٣.
(٥) المتقدّمة في ص : ٢١ و ٢٢.
(٦) الأنعام : ١١٩.