تكرم الفسّاق من العلماء » والظهور وإن إنعقد لكلّ من العامين ، ولكن فرديّة زيد مثلاً للأوّل معلومة وللثاني مشكوك فيها ، فينضمّ هذه الصغرى المعلومة إلى الكبرى الاولى فينتج وجوب إكرام زيد ، وليس في البين حجّة تزاحمها ، إذ الفرض أنّ فرديّة زيد لموضوع الكبرى الثانية مشكوك فيها ، ومجرّد الكبرى لا تكون حجّة ما لم ينضمّ إليها صغرى معلومة.
فالعام حجّة في الفرد المشكوك فيه لا يزاحمه حجّة اخرى.
وأجاب عنه بحقّ في المحاضرات بما حاصله : « أنّ الحجّة قد فسّرت بتفسيرين : أحدهما : أن يراد بها ما يحتجّ به المولى على عبده وبالعكس ، وهو معناها اللغوي والعرفي. وثانيهما : أن يراد بها الكاشفية والطريقية ، يعني أنّ المولى جعله كاشفاً وطريقاً إلى مراده الواقعي الجدّي ، فيحتجّ على عبده بجعله كاشفاً ومبرزاً عنه ، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى أنّ الحجّة بالتفسير الأوّل تتوقّف على إحراز الصغرى والكبرى معاً ، وإلاّ فلا أثر لها أصلاً ، وأمّا الحجّة بالتفسير الثاني فلا تتوقّف على إحراز الصغرى ، ضرورة أنّها كاشفة عن مراد المولى واقعاً وطريق إليه سواء أكان لها موضوع في الخاج أم لم يكن.
وإن شئت قلت : إنّ الحجّة بهذا التفسير تتوقّف على إحراز الكبرى فحسب ، لأنّ التمسّك بالعام إنّما هو من ناحية أنّه حجّة وكاشف عن المراد الجدّي لا من ناحية أنّه مستعمل في العموم إذ لا أثر له ما لم يكن المعنى المستعمل فيه مراداً جدّاً وواقعاً ، والمفروض أنّ المراد الجدّي هنا غير المراد الاستعمالي حيث إن المراد الجدّي مقيّد بعدم الفسق في المثال دون المراد الاستعمالي ، وعليه فإذا شكّ في عالم أنّه فاسق أو لا فبطبيعة الحال شكّ في انطباق موضوع العام عليه وعدم انطباقه كما هو الحال بالإضافة إلى الخاصّ ، يعني أنّ نسبة هذا الفرد المشكوك بالإضافة إلى كلّ من العام بما هو حجّة والخاصّ نسبة واحدة فكما لا يمكن التمسّك بالخاصّ بالإضافة إلى هذا الفرد فكذلك لا يمكن التمسّك بالعام بالإضافة إليه (١).
أمّا الوجه الخامس فهو يختصّ بما إذا كان لسان العام لسان المنع وكشفنا من العام أنّ طبيعة الحكم على المنع حيث إنّه حينئذٍ استقرّ بناء العقلاء على الحكم بالمنع في المصاديق المشكوكة كما يستفاد من العمومات الواردة في باب الوقف أنّ طبيعة الوقف على المنع عن بيع الموقوفة
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٥ ، ص ١٩٢ ـ ١٩٥.