المثال إنّما هو العالم الواقعي خرج منه الفاسق الواقعي ، وحينئذٍ لا يصحّ أن يحكم بوجوب إكرام المصداق المشتبه مع احتمال كونه فاسقاً في الواقع.
ولو قيل : إنّ العام لوحظ فيه الواقع والظاهر معاً ، أي أنّه شامل للعناوين الواقعيّة والظاهرية ( كعنوان معلوم الفسق ومشكوك الفسق ) كليهما.
قلنا : إنّه يستلزم الجمع بين اللحاظين ، وهما لحاظ ظرف الواقع للحكم الواقعي ولحاظ ظرف الشكّ للحكم الظاهري ، وهو ممنوع ، لا لأنّه محال لما مرّ منّا في البحث عن جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى من أنّ الجميع بين اللحاظين ممكن بل واقع وذكرنا له شواهد ، بل لأنّه إنّما يجري فيما إذا قامت القرينة عليه ، وإلاّ فالظاهر استعمال اللفظ في معنى واحد وكون اللحاظ واحداً ، والألفاظ وضعت للعناوين الواقعيّة مع قطع النظر عن حالة العلم والجهل والشكّ.
الوجه الثالث : التمسّك بقاعدة المقتضي والمانع ، وبيانه : أنّ العام مقتضٍ للحكم والخاصّ مانع عنه ، ففي موارد الاشتباه يؤول الأمر إلى الشكّ في وجود المانع بعد إحراز المقتضي والأصل عدمه فلا بدّ من الحكم بوجود المقتضي ( بالفتح ).
وقد يستشمّ التمسّك بهذا من كلمات المحقّق اليزدي رحمهالله في العروة الوثقى في كتاب النكاح فيما إذا دار الأمر بين كون الشبه المرئي من البعيد رجلاً أو امرأة ومن المحارم أو غيرهم فراجع.
ويمكن الجواب عنه :
أوّلاً : بأنّه لا دليل على كبرى القاعدة عقلاً ونقلاً كما سوف يأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء الله.
وثانياً : بمنع الصغرى ، لأنّا لا نسلّم كون العام والخاصّ من قبيل المقتضي والمانع ، بل ربّما يكونان من قبيل الاقتضاء واللاّقتضاء أو من قبيل المقتضيين لحكمين متخالفين.
أقول : وقد تلخّص من جميع ما ذكرنا إلى هنا أنّه لم نجد دليلاً تامّ الدلالة على جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة للمخصّص ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر نشاهد موارد عديدة في الفقه ظاهرها التمسّك بالعام في هذه الموارد التي أشرنا إلى بعضها في أوّل هذا الفصل ، نعم هيهنا وجه رابع ووجه خامس على جواز التمسّك.
أمّا الوجه الرابع فحاصله أنّ الحجّة من قبل المولى لا تتمّ إلاّبعد ثبوت الكبرى والصغرى معاً ، والموجود فيما نحن فيه كبريان معلومتان : إحديهما قوله « أكرم كلّ عالم » والثانية قوله : « لا