حيث إن الأصل العملي يجري في الحكم ، والأصل الموضوعي يجري في الموضوع ، فالثاني مقدّم على الأوّل لتقدّم الموضوع على الحكم.
وكيف كان ، يختلف جريان الأصل العملي في الفرض المذكور باختلاف المقامات. فتارةً يكون الأصل هو البراءة عن الحكم التكليفي كما إذا شككنا في الوجوب وعدمه أو الحرمة وعدمها ، أو البراءة عن الحكم الوضعي كما إذا شككنا في صحّة بيع العين الموقوفة وفساده أو شككنا في الضمان وعدمه ، واخرى يكون الأصل هو التخيير كما إذا دار الأمر بين وجوب الفرد المشتبه وحرمته ، وثالثة يكون الأصل هو الاستصحاب كما إذا شكّ المسافر في أنّه هل أقام في المحلّ ثلاثين يوماً من دون قصد الإقامة فيكون الواجب هو الإتمام ، أو لا ، فيكون الواجب القصر؟ وفرضنا عدم إمكان إجراء استصحاب الموضوع ، فيجري حينئذٍ الاستصحاب الحكمي ، وهو استصحاب وجوب القصر إلاّ إذا لم تحرز وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، لأنّه قد تتغيّر الموضوع عند العرف فيكون الأصل حينئذٍ هو الاحتياط ، كما إذا شكّت المرأة التي مضى عليها خمسون سنة هل أنّها قرشيّة أو لا؟ وقلنا بعدم حجّية استصحاب العدم الأزلي ، فربّما يقال حينئذٍ أنّها لا يمكن لها استصحاب أحكام التحيّض لأنّ موضوع القضيّة المتيقّنة وهو المرأة قبل الخمسين غير موضوع القضيّة المشكوكة ، وهو المرأة بعد الخمسين عند العرف ، فيجب عليها الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأحكام الاستحاضة.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا إمكان جريان الاصول العمليّة كلّها بحسب المقامات المختلفة.
التنبيه الثالث : في جواز التمسّك بعموم وجوب الوفاء بالنذر وكلّ حكم آخر ثابت بعنوان ثانوي مثل وجوب إطاعة الوالد أو استحباب اجابة الأخ المؤمن ونحو ذلك في الشبهة المصداقية عند احتمال خروج مصداق عن العام تخصيصاً كما إذا قال مثلاً : أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق ، وشككنا في عدالة زيد العالم ، أو تخصّصاً كما إذا علمنا لزوم التوضّي بالماء فيكون الماء المضاف خارجاً تخصّصاً ثمّ شككنا في أنّ هذا الماء مطلق أو مضاف ، فالنزاع لا يختصّ بصورة احتمال التخصّص كما يظهر من عبارة المحقّق الخراساني رحمهالله بل يجري عند احتمال التخصيص أو التخصّص.
وكيف كان ، فقد يتوهّم إمكان التمسّك بعموم الوفاء بالنذر مثلاً إذا تعلّق بالتوضّي بذلك الماء أو تعلّق بإكرام زيد ، فيستكشف بوجوب الإتيان به صحّة المتعلّق ورجحانه فيدخل الماء