إنّ مدرك حجّية أصالة العموم هو بناء العقلاء على العمل بها ، ولم يثبت بنائهم عليه فيما إذا كانت العمومات في معرض التخصيص ، فلو علموا أنّ أحداً من مواليهم العرفيّة يتّكل كثيراً ما في تخصيص عمومات كلامه على مخصّصات منفصلة لم يعملوا بها بمجرّد الظفر على عام من العمومات الصادرة منه ما لم يتفحّصوا بقدر وسعهم عن المخصّص.
أقول : لابدّ من توضيح مقصوده وتأويل كلامه بأن نقول : بما أنّ سيرة الشارع وسنّته استقرّت على بيان الأحكام تدريجاً فيعتمد في تخصيص عمومات كلامه على مخصّصات منفصلة بحيث تكون عمومات كلامه في معرض التخصيص فإنّ العقلاء في مثل هذا المورد لا يستقرّ بنائهم على العمل بالعمومات قبل الفحص عن المخصّص ، وقد عرفت سابقاً عدم وجود المخصّص المنفصل في المحاورات العرفيّة وأنّ العرف يحملونه على التناقض والتكاذب.
وذكر في التهذيب أنّ جميع القوانين العقلائيّة كذلك ، لكنّه محلّ تأمّل إذ إنّه بعد تسجيل قانون في مجلس التقنين في ثلاثين مادّة وتبصرة مثلاً لا يرى الموظّفون بإجراء القوانين أنفسهم مسؤلين عن الفحص عن المخصّص أو المعارض فتأمّل.
فتلخّص ممّا ذكر أنّ قوانين الشرع لكونها في معرض التخصيص كما عليه سنّة الشارع وسيرته لابدّ فيها من الفحص عن المخصّص.
الوجه الثاني : أنّ العلم الإجمالي بورود مخصّصات كثيرة حاصل لمن لاحظ الكتب الفقهيّة ولا يمكن إجراء الاصول في أطراف العلم الإجمالي.
لكن هذا أخصّ من المدّعى فالمعلوم بالإجمال هو مقدار معيّن فينحلّ بعد الظفر على المخصّصات بذلك المقدار ، فإذا إنحلّ فمقتضى هذا الوجه أنّ العمل بالعام بعد هذا ممّا لا يحتاج إلى الفحص ، وهو كماترى ، لأنّ سيرة الفقهاء جارية على الفحص حتّى في هذه الموارد.
الوجه الثالث : ما ثبت من اعتبار الظنّ الشخصي في حجّية أصالة العموم وهو لا يحصل مع عدم الفحص.
والجواب عنه أنّ المختار عدم اعتبار الظنّ الشخصي في حجّية الظواهر.
الوجه الرابع : ( وهو الدليل الثاني للمحقّق النائيني رحمهالله في المقام ) : ما حاصله : إنّ حجّية العمومات متقوّمة بجريان مقدّمات الحكمة الكاشفة عن عدم دخل قيد آخر في مراد المتكلّم ، فإذا علمنا بعد الرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة أنّ طريقة الشارع قد استقرّت على إبراز مقاصده