لكن الإنصاف أنّه غير تامّ ، لأنّه إن كان المراد من المعدوم المعدوم بما هو هو فلا معنى للتكليف لا فعلياً ولا إنشائيّاً ، وإن كان المراد المعدوم بما سوف يوجد ، أي على فرض وجوده وعلى نهج القضيّة الحقيقيّة فالتكليف ممكن ، إلاّ أنّه لا فرق حينئذٍ بين الفعلي والإنشائي ، وإن شئت قلت : التكليف حينئذٍ فعلي ولكن في فرض وجود موضوعه كما في القضايا الشرطيّة.
أمّا المقام الثاني : وهو جواز مخاطبة المعدومين وعدمه فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى عدمه وقال ما حاصله : أنّه لا ريب في عدم صحّة خطاب الغائب عن مجلس الخطاب بل الحاضر غير الملتفت فضلاً عن الغائب والمعدوم على وجه الحقيقة ، فإنّ الخطاب الحقيقي عبارة عن توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، ومن المعلوم أنّ ذلك ممّا لا يتحقّق إلاّ إذا كان توجيه الكلام إلى الحاضر الملتفت.
لكن الإنصاف أنّ ما قلنا في المقام الأوّل جارٍ هنا أيضاً حيث نقول : إن كان المراد مخاطبة المعدوم بلحاظ حال العدم فلا يجوز قطعاً ، وأمّا إذا كان بلحاظ الوجود فلا إشكال فيه ، لأنّ حقيقة الخطاب توجيهه نحو الغير مع الايصال إليه بأيّ وسيلة كانت سواء كان الغير حاضراً أو غائباً ، وليست حقيقته المشافهة حتّى يختصّ جوازه بالحاضر في المجلس ، ولذلك تكتب الرسائل ويخاطب فيها الغائب أو تكتب الوصيّة للجيل اللاحق وهم مخاطبون فيها ، كما ورد في وصيّة أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « اوصيكما وجميع ولدي ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ونظم أمركم » (١) ، إلى غير ذلك من أشباهها ونظائرها.
فتلخّص أنّ حقيقة التخاطب هو توجيه الخطاب نحو الغير لا التشافه والحضور ، وهذا يصدق بالنسبة إلى المعدوم بلحاظ زمن وجوده أيضاً.
أمّا المقام الثالث : فالنزاع فيه عند المحقّق الخراساني رحمهالله مسبّب عن أنّ أدوات الخطاب هل هي موضوعة للخطاب مع المخاطب الحقيقي كي نقول باختصاصها بالحاضرين وعدم شمولها للمعدومين لئلاّ يلزم استعمال الأداة في غير ما وضعت له ، أو موضوعة لإنشاء مطلق التخاطب ولايقاع مجرّد المخاطبة سواء كان مع المخاطب الحقيقي أو التنزيلي فتكون شاملة للمعدومين أيضاً وقد مرّ نظيره في مبحث الأوامر بالنسبة إلى صيغة الأمر وهل هي موضوعة
__________________
(١) نهج البلاغة : كتاب ٤٧.