« فلا تقل لهما افّ » أو « إنّ جاءك زيد فأكرمه » فلم يقل أحد بحذف قضيّة « لا تضرب » أو قضية « إن لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه » أو تقديرهما ، بل يقال بأنّ القضيتين المنطوقتين تدلاّن عليهما بالمفهوم.
الوجه الثاني : أنّ تقسيم المساواة إلى منصوص العلّة ومستنبط العلّة أيضاً تامّ فيما إذا قلنا بحجّية مستنبط العلّة ، مع أنّه ليس بحجّة عند الإماميّة ، لعدم إمكان استنباط ملاكات الأحكام وعللها ، وما أبعد عقول الرجال عن دين الله كما ورد في الحديث.
إن قلت : فما معنى تنقيح المناط وإلغاء الخصوصيّة في المسائل الفقهيّة كما إذا قيل مثلاً : إن سافرت بين مكّة والمدينة ثمانية فراسخ فقصّر ، ونحن نعلم بأنّه لا خصوصيّة لمكّة والمدينة ، ونلغي خصوصيتهما ونحكم بوجوب القصر في سائر الأمكنة إذا تحقّق مقدار ثمانية فراسخ ، فما الفرق بين هذا وقياس مستنبط العلّة؟
قلت : يكون النظر في القياس المستنبط العلّة إلى علّة الحكم ، بينما هو في تنقيح المناط يكون إلى موضوع الحكم ، والفرق بين الموضوع والعلّة واضح حيث إنّ الموضوع هو عنوان مشتمل على جميع ما له دخل في تنجّز التكليف وفعليّته كعنوان المستطيع في وجوب الحجّ ، وأمّا العلّة فإنّها داخلة في سلسلة المبادىء والأغراض ، مضافاً إلى أنّ إلغاء الخصوصيّة وتنقيح المناط طريق إلى تعيين دائرة المنطوق وتوسعتها ولا ربط له بالمفهوم ، فإذا تعدّينا من مورد دليل إلى مورد آخر بالالغاء أو التنقيح وأثبتنا الحكم الثابت في مورد ذلك الدليل لمورد آخر ـ تعدّ دلالة الدليل حينئذٍ من قبيل المنطوق لا المفهوم كما لا يخفى.
الوجه الثالث : إنّ ما ذكره من الفرق بين الأولويّة القطعيّة والعرفيّة أيضاً غير تامّ ، لأنّ الأولويّة سواء كانت عقليّة أو عرفيّة داخلة في المفهوم ، وفهم العرف لا ينافي ذلك ، لوجود ملاك المفهوم في كلتيهما ، حيث إن الملاك هو كون الحكم غير مذكور وهو موجود في مثل قوله تعالى : ( فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) بالنسبة إلى قضية « لا تضرب » مثلاً كما لا يخفى ، نعم إلاّ إذا كان المنطوق مجرّد طريق وإشارة إلى المفهوم ، فلا يكون القول بالافّ في الآية مثلاً حراماً بنفسه بل يكون نحو كناية عن مثل الضرب ، ففي مثل هذه الموارد تدخل الأولويّة العرفيّة في المنطوق بلا إشكال.