إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل البحث فنقول : هل يجوز تخصيص العام بالمفهوم أو لا؟ لا إشكال ولا خلاف في جواز تخصيص العام بالمفهوم إذا كان موافقاً كما إذا قال : « لا تكرم الفسّاق » ثمّ قال : « أكرم الضيف ولو كان كافراً » فمفهومه وجوب إكرام الضيف إذا كان مسلماً فاسقاً بطريق أولى ، وهذا المفهوم موافق للمنطوق في الإيجاب ويكون خاصّاً بالنسبة إلى عموم « لا تكرم الفسّاق ».
وأمّا إذا كان المفهوم مخالفاً ففيه خمسة أقوال :
الأوّل : عدم جواز التخصيص مطلقاً.
الثاني : جوازه مطلقاً.
الثالث : التفصيل بين موارد المفهوم فيختلف باختلاف الموارد والمقامات ، فإن كان الدالّ على المفهوم مثل كلمة « إنّما » فيقدّم على العام ويخصّص العام به وإلاّ فالعام يقدّم.
الرابع : تفصيل المحقّق الخراساني رحمهالله وهو التفصيل بين الكلام الواحد وبين الكلامين المنفصلين ، والتفصيل بين ما إذا فهمنا العموم من الوضع وما إذا فهمناه من مقدّمات الحكمة ، فتارةً يكون العام والمفهوم في كلام واحد واستفدنا العموم والمفهوم كليهما من مقدّمات الحكمة أو استفدنا كليهما من الوضع ، فلا عموم حينئذٍ ولا مفهوم لعدم تماميّة المقدّمات بالنسبة إلى شيء منهما في الأوّل ، ولمزاحمة ظهور كلّ منهما مع الآخر في الثاني ، فلا بدّ حينئذٍ من الرجوع إلى الاصول العمليّة في مورد الشكّ ، واخرى يكونان في كلامين بينهما فصل طويل وكان كلّ منهما بمقدّمات الحكمة أو بالوضع ، فالظهور لا محالة وإن كان ينعقد لكلّ منهما ولكن لابدّ حينئذٍ من أن يعامل معهما معاملة المجمل لتكافؤهما في الظهور إن لم يكن أحدهما أظهر ، وإلاّ فيكون هو القرينة على التصرّف في الآخر.
الخامس : تفصيل المحقّق النائيني رحمهالله ، فإنّه فصّل في المفهوم المخالف بين ما إذا كانت النسبة بين العام والمفهوم ـ العموم والخصوص مطلقاً ، وبين ما إذا كانت من العام يقدّم على العام سواء كان بين المنطوق والعام العموم المطلق أو العموم من وجه ، ومهما كان بين المفهوم والعام ـ العموم من وجه يعامل معهما معاملة العموم من وجه فربّما يقدّم العام وربّما يقدّم المفهوم في مورد التعارض من غير فرق في ذلك أيضاً بين أن يكون بين المنطوق والعام ـ العموم المطلق أو العموم من وجه » (١) ( انتهى ).
__________________
(١) فوائد الاصول ، ج ١ ، و ٢ ص ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، طبع جماعة المدرسين.