أقول : الإنصاف أنّ البحث إنحرف عن مسيره الأصلي في كلمات المتأخّرين كالمحقّق الخراساني والنائيني رحمهما الله وبعض آخر ( قدّس الله أسرارهم ) فقد تكلّموا عن امور أربع لا ربط لها بمحلّ النزاع.
أحدها : أنّه هل يستفاد العموم أو المفهوم من مقدّمات الحكمة أو من الوضع؟
ثانيها : هل الكلام يكون من قبيل المحفوف بالقرينة أو لا؟
ثالثها : هل العام لسانه آبٍ عن التخصيص أو لا؟
رابعها : هل النسبة بين العام والخاصّ العموم والخصوص مطلقاً أو من وجه؟
مع أنّ الحقّ في المقام أن يتكلّم عن التفاوت بين المفهوم والمنطوق فقط وأنّه إذا كان العام قابلاً للتخصيص بالمنطوق فهل يخصّص بالمفهوم أيضاً أو لا؟
وبعبارة اخرى : هل يكون للمفهوم من حيث هو مفهوم نقص في التخصيص بالقياس إلى المنطوق؟ وذلك لأنّه لا فرق في هذه النكات الأربع بين المنطوق والمفهوم ، فإنّ المنطوق أيضاً لا يقدّر لتخصيص العام الآبي عن التخصيص ، ولا يخصّصه أيضاً إذا كان هو بمقدّمات الحكمة وكان العام دالاً على العموم بالوضع ، وكذلك إذا كانت النسبة بينه وبين العام العموم من وجه أو كان العام لإقوائيته وأظهريته قرينة على التصرّف في الخاصّ.
إذن فلا بدّ من ارجاع البحث إلى محوره الأصلي ، وهو أن نفرض الكلام أوّلاً في مورد كان العام فيه يخصّص بالخاصّ على تقدير كونه منطوقاً ، ثمّ نبحث في أنّه هل يخصّص بالمفهوم أيضاً في هذا الفرض أو لا؟ وأنّ المفهوميّة هل توجب ضعفاً للخاصّ أو لا؟ وحينئذٍ نقول : ربّما يتوهّم أنّ الدلالة المفهوميّة أضعف من الدلالة المنطوقيّة فلا يكون الخاصّ إذا كان مفهوماً مخصّصاً للعام ، لكن الإنصاف أنّ مجرّد كون الخاصّ مفهوماً لا يوجب ضعفاً ، بل ربّما يكون المفهوم أقوى من المنطوق ، بل ربّما يكون المقصود الأصلي للمتكلّم هو المفهوم فقط.
وبالجملة لا المنطوق بما هو منطوق يوجب قوّة للخاص ولا المفهوم بما هو مفهوم يوجب ضعفاً له ، فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّه يجوز تخصيص العام بالمفهوم كما يجوز تخصيصه بالمنطوق ، نعم كما أشرنا آنفاً قد يكون العام أقوى من الخاص فلا يخصّص العام به كما إذا كا العام آبياً عن التخصيص ، لكنّه لا يختصّ بالمفهوم بل المنطوق أيضاً لا يخصّص العام إذا كان العام كذلك ، نحو قوله عليهالسلام : « ما خالف كتاب الله فهو زخرف » فإنّ هذا عام لا يمكن تخصيصه