وكلا الأمرين غير تامّ ، أمّا الأوّل فلما مرّ من أنّ الموضوع له في الحروف كلّي دائماً أو غالباً ، ولو سلّمنا كونه جزئياً لكن الإخراج في ما نحن فيه ليس متعدّداً بل هو واحد وإنّما المخرج متعدّد ، وهذا نظير إنشاء المعاني المتعدّدة بصيغة واحدة نحو « بعت هذا الدار بالف تومان وذاك بالفين وذاك بآلاف ».
وأمّا الثاني : فلأنّه أوّلاً : يمكن لحاظ معانٍ متعدّدة بصورة وحدانية وتصوّرها بنحو جمعي ثمّ إفناء معنى الحرف في جميعها ، كما إذا قيل : « سِرْ من البصرة أو الكوفة وإلى بغداد وإلى عبّادان » فيلحظ معنى الابتدائيّة لكلمة « من » فانياً في جميع الأمكنة المذكورة في المثال بلحاظ واحد.
ثانياً : يمكن كون اللحاظات متعدّدة واستعمال اللفظ في أكثر من معنى ، لما مرّ كراراً من عدم اعتبار آنٍ حقيقي في اللحاظ ، ولا دليل على أنّ اللحاظات آنات حقيقيّة ، بل يمكن احضار معانٍ متعدّدة كسبعين معنى للفظ « عين » مثلاً في الذهن متواليّة واحداً بعد واحد ثمّ استعمال لفظ العين في الجميع ، ولذلك ذهبنا إلى جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، هذا كلّه في الأمر الأوّل.
الأمر الثاني : أنّه لو قلنا بالإجمال وأنّ الاستثناء المتعقّب لجمل متعدّدة لا يكون ظاهراً في الرجوع إلى الجميع ولا في الرجوع إلى خصوص الأخيرة بعد صلوحه لكلّ منهما وإن كان الرجوع إلى الأخيرة متيقّناً معلوماً فهل يسقط العمومات غير الأخيرة عن الحجّية أو لا؟
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّها ساقطة عن الحجّية ، فلا يكون ما سوى الأخيرة ظاهراً في العموم لاكتنافه بما يصلح للرجوع إليه ، فلا بدّ في محلّ الشكّ من الرجوع إلى الأصل العملي. ففي مثال « أكرم العلماء إلاّ الفسّاق والمخالفين منهم » نرجع في مشكوك الفسق والمخالفة إلى أصل البراءة.
وقال المحقّق النائيني رحمهالله : بعدم سقوطها عن الحجّيه بل « يحتاج تخصيص الجمل السابقة على الجملة الأخيرة إلى دليل آخر مفقود على الفرض ، وأمّا توهّم كون المقام من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية فهو غير صحيح ، لأنّ المولى لو أراد تخصيص الجميع ومع ذلك اكتفى في مقام البيان بذكر استثناء واحد مع تكرار عقد الوضع في الجملة الأخيرة لكان مخلاً ببيانه » (١).
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٩٧.