أقول : الظاهر أنّ الحقّ مع المحقّق الخراساني رحمهالله ، لأنّ عدم صحّة اكتفاء المولى في بيان مقصوده بالاستثناء المجمل لكونه مخلاً ببيانه يختصّ بما إذا لم يكن نفس الإجمال مقصوداً ، وإلاّ فلا إشكال في الصحّة ، وهذا نظير الاستثناء بكلمة « بعض » ، فإذا قال : « أكرم العلماء إلاّ بعضهم » مع عدم كون الإجمال مقصوداً فقد أخلّ بمقصوده وأمّا إذا كان المقصود هو نفس بيان الحكم مجملاً فلا إشكال حينئذٍ في صحّة الاكتفاء بكلمة « بعض » ، ولا يخفى أنّ للشارع المقدّس أحكاماً يكون المقام فيها مقام الإجمال والإبهام ، وذلك لمصالح تقتضيه ، منها عدم انسداد أبواب بيوت أهل البيت عليهمالسلام كما صرّح به المحقّق القمي رحمهالله في كتابه جامع الشتات في جواب من سأل عن وجه ورود المتشابه في القرآن الكريم.
إذا عرفت هذا فلنشرع في أصل البحث والأقوال الواردة فيه ...
فنقول : أمّا التفصيل الذي وعدنا نقله فهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله وإليك نصّ كلامه : « والتحقيق في ذلك هو التفصيل بأن يقال إنّ من الواضح أنّه لابدّ من رجوع الاستثناء إلى عقد الوضع لا محالة ، وعليه فإمّا أن يكون عقد الوضع مكرّراً في الجملة الأخيرة كما في مثل الآية المباركة ، أو لا يكون كذلك ، بل يختصّ ذكر عقد الوضع بصدر الكلام كما إذا قيل أكرم العلماء وأضفهم وأطعمهم إلاّفسّاقهم ، أمّا القسم الثاني أعني به ما لا يكون عقد الوضع مذكوراً فيه إلاّفي صدر الكلام فلا مناصّ فيه عن الالتزام برجوعه إلى الجميع ، لأنّ المفروض أنّ عقد الوضع فيه لم يذكر إلاّفي صدر الكلام ، وقد عرفت أنّه لابدّ من رجوع الاستثناء إلى عقد الوضع فلا بدّ من رجوعه إلى الجميع ، وأمّا كون العطف في قوّة التكرار فهو وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه لا يوجب وجود عقد وضع آخر في الكلام ليكون صالحاً لرجوع الاستثناء إليه ، وأمّا القسم الأوّل أعني به ما يكون عقد الوضع فيه مكرّراً فالظاهر فيه هو رجوع الاستثناء إلى خصوص الجملة الأخيرة لأنّ تكرار عقد الوضع في الجملة الأخيرة مستقلاً يوجب أخذ الاستثناء محلّه من الكلام فيحتاج تخصيص الجمل السابقة على الجملة الأخيرة إلى دليل آخر مفقود على الفرض » (١).
وقال في حاشية الأجود : « الصحيح في تقريب التفصيل في المقام أن يقال : إنّ تعدّد الجمل
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٩٧.