غير الأخيرة في عمومها فيما إذا رجع الاستثناء إلى الأخيرة وأنّها ليست مكتنفة بما يصلح للقرينية حتّى تصير مجملة ، وذلك لتوهّم أنّ الإجمال يستلزم الإخلال بالمقصود ، مع أنّه ( كما مرّ ) قد يكون المقصود نفس الإجمال والإهمال ، وكلمة الاستثناء في الأمثلة المذكورة إن لم تكن كافيّة لبيان تمام المقصود تكفي للإجمال.
وقد يقال : إنّ هذا ( التفصيل المزبور ) خلط حقيقة بين أداة الاستثناء التوصيفي وأداة الاستثناء غير التوصيفي ففي القسم الأوّل فحيث أنّه لا يجوز التوصيف للضمير المتّصل يرجع الوصف في مثل « أكرم العلماء وأضفهم إلاّ الفسّاق منهم » أي الشقّ الثاني من التفصيل إلى الجملة الاولى ، أي يصير الوصف وصفاً للعلماء في المثال ، فيخصّص به حكم الإكرام وبتبعه يخصّص أيضاً ما بعده وهو حكم الضيافة في المثال ، وأمّا في القسم الثاني أي الاستثناء غير التوصيفي فيمكن رجوعه إلى الأخيرة كما يمكن رجوعه إلى الجميع ونسبته بالنسبة إلى كلّ واحد منهما سواء وليس ظاهراً في خصوص أحدهما حتّى يصير الكلام مجملاً ، هذا كلّه في الشقّ الثاني من التفصيل ، وأمّا الشقّ الأوّل ، أي ما إذا تكرّر عقد الوضع فادّعاء الظهور في الرجوع إلى الأخيرة مصادرة ودعوى بلا دليل.
أقول : كلامه في كلا شقّي التفصيل صحيح ومقبول ، ولكن الإشكال إنّما هو في أنّ الأمثلة المذكورة في ما نحن فيه ظاهر جميعها الاستثناء غير التوصيفي لأنّ ظاهرها الاستثناء عن الحكم لا الموضوع ، فلا معنى لكونه وصفاً حينئذٍ ، بل الاستثناء التوصيفي لا يأتي إلاّفي موارد خاصّة كباب الأعداد نحو ( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ) (١) ، وبالجملة المتبادر من الاستثناء ( إلاّ في بعض الموارد ) هو الاستثناء عن الحكم ، وظاهره حينئذٍ عدم الوصف نحو « أكرم العلماء إلاّ الفسّاق » فليس الظاهر منه « أكرم العلماء المتّصفين بأنّهم غير الفسّاق ».
ثمّ إنّه ينبغي هنا أن نشير إلى نكتة وهي أنّ محلّ النزاع في ما نحن فيه ما إذا لم ـ توجد في البين قرينة مع أنّ المثال المعروف وهو آية القذف المذكورة في صدر المسألة ليس خالياً عنها ، وهي أنّ المشهور على قبول شهادة القاذف إذا تاب بل لعلّه إجماعي كما ذكره الفاضل المقداد حيث قال : « وإن تاب قبلت شهادته عندنا وعند الشافعي ، وهو قول أكثر التابعين ، وقال أبو
__________________
(١) سورة العنكبوت : الآية ١٤.