البيان الثالث : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله وهو : « إنّ القضيّة الشرطيّة وإن كانت بحسب الوضع لا تدلّ على تقييد الجزاء بوجود الشرط لصحّة استعمالها بلا عناية في موارد القضيّة المسوقة لبيان الحكم عند تحقّق موضوعه ، إلاّ أنّ ظاهرها في ما إذا كان التعليق على ما لا يتوقّف عليه متعلّق الحكم في الجزاء عقلاً هو ذلك ، فإذا كان المتكلّم في مقام البيان فكما أنّ إطلاقه الشرط وعدم تقييده بشيء بمثل العطف بالواو مثلاً يدلّ على عدم كون الشرط مركّباً من المذكور في القضيّة وغيره كذلك إطلاقه وعدم تقييده بشيء بمثل العطف بأو يدلّ على انحصار الشرط بما هو مذكور في القضيّة وهذا نظير استفادة الوجوب التعييني من إطلاق الصيغة ، فكما أنّ إطلاقها يقتضي عدم سقوط الواجب بإتيان ما يحتمل كونه عدلاً له فيثبت به كون الوجوب تعيينياً كذلك مقتضى الإطلاق في المقام هو انحصار قيد الحكم بما هو مذكور في القضيّة فيثبت به أنّه لا بدل له في ترتّب الحكم عليه » (١).
ولكن يرد عليه : أنّه فرق بين ما إذا كان القيد جزء لموضوع الحكم المذكور في القضيّة وما إذا كان عدلاً له ، ففي الأوّل تكون المسألة كما أفاد ، فلا بدّ من ذكره إذا كان دخيلاً في موضوع الحكم فيقتضي عدم ذكره عدم دخله فيه ، بخلافه في الثاني ، لأنّ المتكلّم حينئذٍ إنّما يريد بيان وجود العلقة والملازمة بين الشرط والجزاء فحسب كما مرّ ، ومعه لا ملزم لذكر ما يكون عدلاً للشرط كما لا يخفى ، وأمّا القياس بالوجوب التعييني فهو قياس مع الفارق ، لأنّ الوجوب التعييني نوع خاصّ من الوجوب يغاير الوجوب التخييري ، والوجوب التخييري لابدّ فيه من ذكر قيد وخصوصيّة في الكلام ، أعني وجوبه إذا لم يأت بغيره ، كما في مثل قولنا « اعتق رقبة مؤمنة إذا لم تصم شهرين متتابعين أو لم تطعم ستّين مسكيناً » فإذا لم يذكره في الكلام كان مقتضى الإطلاق أنّ الوجوب تعييني ، وهذا بخلاف المقام ، حيث إن ترتّب المعلول على علّته المنحصرة ليس مغايراً لترتّبه على غير المنحصرة سنخاً ، بل إنّهما من سنخ واحد من دون أن يحتاج الثاني إلى ذكر قيد.
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤١٨.