فأخبرها أنّ روح الله وكلمته بالباب مع عدّة قال : فتخدّرت فدخل عليها فقال لها : ما صنعت ليلتك هذه؟ قالت لم أصنع شيئاً إلاّوقد كنت أصنعه فيما مضى أنّه كان يعترينا سائل في كلّ ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها وأنّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغل فهتف فلم يجبه أحد ثمّ هتف فلم يجب حتّى هتف مراراً فلمّا سمعت مقالته قمت متنكّرة حتّى نلته كما كنّا ننيله فقال لها : تنحّي عن مجلسك فإذا تحت ثيابها افعى مثل جذعة عاضّ على ذنبه فقال عليهالسلام : بما صنعت صرف عنك هذا » (١).
تنبيهان
الأوّل : إنّ فلسفة البداء وحكمته عدم القعود عن السعي والجهاد وأن لا نيأس من رحمة الله وإرائته للطريق وهدايته السبل ، ومن جانب آخر أن لا نأمّن أنفسنا من سخطه وعذابه ، ولا نقول : قد جفّ القلم وأنّه لا يحدث الله غير ما قدّره في التقدير الأوّل بل نقول أنّه يمحو ما يشاء ويثبت ، فلا يخفى أنّ هذه العقيدة وهذه الحالة تورثنا وتكّمل لنا حالة الخوف والرجاء بحيث لو صدر عنّا ذنب رجونا العفو والمغفرة ، كما أنّه لو صدرت عنّا خيرات بالغة وحسنات كثيرة خفنا من سوء العاقبة ، وبالجملة أنّ حكمة البداء وفلسفته هي إيقاع العبد بين حالة الخوف والرجاء ، ونتيجته دوام السعي والحركة والعمل مع احتمال الخطأ والمخالفة والوقوع في المهلكة.
الثاني : أنّ إنكار البداء يستلزم إنكار عدّة من المسائل المسلّمة والاعتقادات الضروريّة في الإسلام أو ما أشبه ذلك كمسألة التوبة ، ومسألة الحبط في الأعمال وأنّ الحسنات يذهبن السيّئات ، ومسألة الشفاعة ، وتأثير الدعاء ، وتأثير صلة الرحم وقطعها في إزدياد العمر ونقصانه ، ودفع البلاء بالصدقة ( وقد ورد في الحديث أنّ الصدقة ترفع البلاء المبرم وهو البلاء الذي كتب بالقلم في امّ الكتاب ).
إلى هنا تمّ الكلام عن المقصد الرابع من مباحث الاصول.
__________________
(١) بحارالانوار : ج ٤ ، باب البداء والنسخ ، ح ١.