وصار اللفظ حقيقة في المنصرف إليه.
هذا ـ والإنصاف أنّ الانصراف ينقسم في الواقع إلى قسمين بدوي وثابت مستمرّ ، والانصراف البدوي هو ما يزول بالتأمّل ، والثابت ما لا يزول به وأمّا هذه الأقسام الخمسة فالخامس منها خارج عن ما نحن فيه لصيرورة اللفظ فيه حقيقة في المعنى الجديد ، وأمّا الباقي ففي الحقيقة بيان لمنشأ الانصراف.
إذا عرفت هذا فنقول : والذي عدّ من مقدّمات الحكمة هو عدم الانصراف بالمعنى الثاني ، أي عدم الانصراف الثابت ، لكنّ الحقّ أنّ هذه المقدّمة أيضاً ترجع حقيقة إلى المقدّمة الثانية ، وهي انتفاء ما يوجب التعيين حيث إن الانصراف هو ممّا يوجب تعيين المعنى كما لا يخفى.
أمّا المقدّمة الخامسة : ( وهي انتفاء القد المتيقّن في مقام التخاطب ) فحاصل بيان المحقّق الخراساني رحمهالله فيها : أنّه إذا كان المتيقّن تمام مراد المولى وهو لم يذكر القيد اعتماداً على ذلك المتيقّن لم يخلُ بغرضه.
والتحقيق في المسألة : أنّ القدر المتيقّن على قسمين : تارةً يكون المتيقّن متيقّناً بحسب مقام التخاطب ، واخرى بحسب الخارج ، فالقسم الأوّل مثل أن يسأل العبد من مولاه : « هل أكرم النحويين؟ » وأجاب المولى بقوله : « أكرم العالم » فلا ريب في أنّ النحويين بقرينة ذلك السؤال هو القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، بينما القدر المتيقّن بحسب الخارج هو الفقهاء والمجتهدين مثلاً للقطع بوجود الملاك فيهم ، فالميزان في القدر المتيقّن بحسب مقام التخاطب هو وجود سؤال أو قرينة يكون بمنزلة شأن نزول كلام المولى ، والميزان في القدر المتيقّن بحسب الخارج القطع بوجود الملاك.
وكيف كان ، فإنّ المختار في المقام هو عدم اعتبار هذه المقدّمة كما صرّح به جماعة من الأعلام أيضاً.
ويدلّ عليه وجوه ثلاثة : أحدها : استلزامها عدم إمكان التمسّك بكثير من الإطلاقات الواردة في الكتاب والسنّة مع أنّ السيرة العمليّة للفقهاء والمتشرّعين قامت على خلافه فإنّهم لا يعتنون بشأن نزول الآيات ومورد السؤال في الرّوايات إذا كان الجواب مطلقاً.
ثانيها : أنّ وجود القدر المتيقّن ليس من قبيل القيود الإحترازيّة التي يأخذها المتكلّم في كلامه ويكون لها لسان إثبات ولسان نفي ، إثبات الحكم لنفسها ونفي الحكم عن غيرها ، بل