أمّا المقدّمة الثالثة : ( وهي وجود القابلية للإطلاق والتقييد التي أفادها المحقّق النائيني رحمهالله ) فيرد عليها أوّلاً : أنّها ترجع إلى المقدّمة الاولى لأنّ من لم يقدر على التقييد لم يكن في مقام البيان ، ولا فرق في عدم جواز التمسّك بالإطلاق بين أن يكون عدم كون المتكلّم في مقام البيان ناشئاً من عدم حضور وقت البيان أو من استلزامه أمراً محالاً كالدور.
ثانياً : قد مرّ في البحث عن التوصّلي والتعبّدي من أنّ التقسيمات اللاحقة تكون كالتقسيمات السابقة لأنّها وإن كان وجودها لاحقاً عن وجود المتعلّق إلاّ أنّه يمكن تصوّرها سابقاً وأخذها في المتعلّق فنقول : « صلّ مع قصد أمرها » وتمام الكلام في محلّه.
فظهر أنّ المقدّمة الثالثة على حدّها ليست مقدّمة بل إنّها ترجع حقيقة إلى المقدّمة الاولى ، نعم ينبغي التنبيه بها والتوجّه إليها على فرض وجود مصداق لها.
أمّا المقدّمة الرابعة : ( وهي عدم الانصراف ) فنقول في توضيحها : أنّ الانصراف هو أن توجد من ناحية كثرة الاستعمال بين لفظ ومعنى علاقة في الأذهان بحيث توجب انسباق ذلك المعنى من اللفظ حين إطلاقه ، وليس المراد منه صيرورة اللفظ حقيقة ثانويّة في ذلك المعنى ، وهو نظير انصراف كلمة « أهل العلم » في يومنها هذا إلى العالم الديني مع أنّ غيره أيضاً من أهل العلم.
وهو على خمسة أنواع : أحدها : الانصراف البدوي وهو يزول بالتأمّل ، مثل أن يقال : « من المفطّرات الأكل والشرب » الذي ينصرف إلى الأغذيّة والمشروبات المتعارفة ، لكنّه بدوي لا اعتبار به ، ولذا أفتى الأصحاب بحصول الإفطار بالمأكولات غير المتعارفة كأوراق الأشجار.
ثانيها : الانصراف الذي منشأه كثرة الاستعمال وهو لا يزول بالتأمّل كالمثال المتقدّم وهو أهل العلم الذي ينصرف إلى العالم الديني لكثرة استعماله فيه.
ثالثها : الانصراف إلى الفرد الأكمل من أفراد الماهيّة المشكّكة نحو ما مرّ في البحث عن مفهوم الشرط من انصراف العلّية المستفادة من أداة الشرط إلى العلّية المنحصرة لكونها أكمل أفراد العلّية ، ولكن هذا الانصراف غير ثابت بل حيث إن الفرد الأكمل يكون نادراً لا ينصرف إليه اللفظ قطعاً.
رابعها : الانصراف إلى القدر المتيقّن وهذا أيضاً غير ثابت.
خامسها : الانصراف الحاصل من كثرة الاستعمال حيث يكون المعنى السابق مهجوراً