ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة » أو « صلّ صلاة الظهر » و « صلّ صلاة الظهر إخفاتاً » ، والمشهور في هذه الحالة التقييد كما عليه سيرة الفقهاء في الفقه ، واستدلّ له بثلاثة وجوه :
الأوّل : أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، وهو في المقام يحصل بالتقييد.
لكن يرد عليه : أنّه لا دليل لنا على ثبوت هذه القاعدة في جميع الموارد فليس الجمع أولى من الطرح حتّى فيما إذا كان الجمع جمعاً تبرئياً غير عرفي ، بل الأولويّة ثابتة في باب تزاحم الملاكات ، فإذا ثبت هناك ملاكان لحكمين فمهما أمكن الجمع بين هاتين المصلحتين كان أولى.
الثاني : أنّ الدليل المقيّد وارد على الدليل المطلق ورافع لموضوعه ، وذلك لأنّ إحدى مقدّمات الحكمة في المطلق هي عدم البيان ، والمقيّد يكون بياناً.
لكنّه أيضاً ممنوع لمامرّ سابقاً من أنّ المراد من عدم البيان في مقدّمات الحكمة هو عدم البيان في مقام التخاطب لا عدم البيان إلى الأبد ، وإلاّ يلزم الخروج عن فرض المسألة حيث إن المفروض في المقام ما إذا ورد مطلق ومقيّد ، أي بعد أن تمّ الإطلاق في دليل المطلق ، وهذا يتمّ بعد تمام مقدّمات الحكمة التي منها عدم بيان القيد في مقام التخاطب.
الثالث : ( وهو الصحيح في المقام ) أن نقول : بأنّ الجمع هنا جمع دلالي عرفي ، وبيانه : أنّ هنا ظهورات ثلاثة متعارضة ظهورين في جانب المطلق وظهوراً في جانب المقيّد ، أمّا الظهوران في جانب المطلق فأحدهما : ظهوره في كون المولى في مقام البيان ، والثاني : ظهوره في تطابق الإرادة الجدّية مع الإرادة الاستعماليّة ، وأمّا الظهور في جانب المقيّد فهو ظهوره في كون المطلوب مقيّداً ، فيدور الأمر حينئذٍ بين التصرّف في أحد الظهورين في جانب المطلق وبين التصرّف في ظهور المقيّد وحمله على الاستحباب مثلاً ، والإنصاف أنّ ظهور المقيّد أقوى منهما ، فلا بدّ أن نرفع اليد من الظهور الأوّل في المطلق ونحكم بأنّ المولى لم يكن في مقام البيان ، وحينئذٍ لا تصل النوبة إلى الظهور الثاني كما لا يخفى ، أو نرفع اليد من الظهور الثاني ونحكم بعدم جدّية الإرادة في غير المقيّد.
نعم ، هذا إذا كان المورد من الواجبات ، وأمّا إذا كان من المستحبّات فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى من أنّها محمولة على مراتب الفضل.
هذا تمام الكلام في الصور المتصوّرة بعد ورود المطلق والمقيّد.