الجمعة أو يوم عرفة ، إلى غير ذلك من المطلقات والمقيّدات التي وردت في أبواب المستحبّات فإنّ المشهور كما مرّ حملها على تعدّد المطلوب وبيان سلسلة مراتب المطلوبيّة والفضل ، إلاّ إذا قام دليل خاصّ على التقييد ، فالقاعدة الأوّليّة والأصل الأوّلي عندهم في المستحبّات عدم التقييد.
واستدلّ عليه أوّلاً : بما أشار إليه في الكفاية بقوله : « أو أنّه كان بملاحظة التسامح في أدلّة المستحبّات وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيّد وحمله على تأكّد استحبابه من التسامح فيها ».
إلاّ أنّ الإنصاف أنّه غير تامّ ، لأنّ التسامح في أدلّة السنن ليس إلاّعبارة عن العمل بأخبار من بلغ في المستحبّات ولا إشكال في أنّها ناظرة إلى ضعف السند على القول به لا الدلالة ( كما يأتي في محلّه ) والمقام في ما نحن فيه مقام الدلالة كما لا يخفى.
وثانياً : ( وهو الحقّ الصحيح ) ما أشار إليه المحقّق الخراساني رحمهالله أيضاً ، وحاصله مع توضيح منّا : أنّ الغالب في باب المستحبّات أن يكون القيد لأجل التأكيد ومزيد المحبوبيّة لا لأجل الإحتراز والدخول في أصل المطلوبيّة كي يحمل المطلق على المقيّد ، وهذه الغلبة توجب ظهور الأوامر فيها في تعدّد المطلوب وتفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبيّة والفضل.
وأورد عليه في المحاضرات بأنّ « مجرّد الغلبة لا يوجب ذلك بعد ما افترض أنّ دليل المقيّد قرينة عرفيّة على تعيين المراد من المطلق ، ضرورة أنّ الغلبة ليست على نحو تمنع عن ظهور دليل المقيّد في ذلك » (١).
لكنّه يردّ : بأنّ الغلبة على قسمين : تارةً يكون المقصود منها ما يقابل الشاذّ والنادر ، واخرى ما يقابل الأغلب فإن كانت من قبيل الثاني ( كما هي كذلك في باب صيغة الأمر ) فلا تمنع عن الظهور فإنّ غلبة استعمال صيغة الأمر في الندب مثلاً لا تمنع عن ظهورها في الوجوب ، وإن كانت من قبيل الأوّل كما في المقام ( حيث إن ورود القيد لأجل الإحتراز والتقييد في باب المستحبّات يكون شاذّاً بالنسبة إلى تعدّد المطلوب ) فلا إشكال في منعها حينئذٍ عن ظهور دليل القيد في التقييد ، وبالجملة أنّ غلبة استعمال المطلق والمقيّد في باب المستحبّات في تعدّد
__________________
(١) المحاضرات : ج ٥ ، ص ٣٨٢.