لوجود التنافي فيها بين دليل المطلق والمقيّد حيث إن مقتضى إطلاق المطلق ترخيص المكليف في تطبيقه على أي فرد من أفراده شاء في مقام الامتثال وهو لا يجتمع مع كونه ملزماً بالإتيان بالمقيّد » (١).
أقول : لكن الإنصاف أنّ نطاق مقال المشهور أوسع من القسم الأخير في كلامه فإنّه يشمل سائر الأقسام ما عدى القسم الأوّل الذي هو خارج عن محلّ الكلام للتصريح بعدم الصحّة فيه ، وأمّا ظهور الأوامر في الإرشاد إلى الشرطيّة والنواهي في المانعية إنّما هو مسلّم في الواجبات وأمّا في أبواب المستحبّات فهو ممنوع كما عرفت من غلبة كون القيود فيها ناظرة إلى تعدّد مراتب الفضل فلا وجه للتفصيل في المقام.
بقي هنا شيء :
وهو أنّه إذا ورد المطلق والمقيّد في دليل واحد نحو « اقرأ القرآن مع الطهارة » فهل يحملان أيضاً على تعدّد المطلوب بأن نجعلهما نظير ما إذا ورد كلّ من المطلق والمقيّد في دليل مستقلّ أو لا؟ وهذا ممّا لم يتعرّض له في كلماتهم ، ولكن الظاهر عدم الحمل على مراتب الفضل لأنّ ما بيّناه سابقاً من ظهور القيد في تعدّد المطلوب جارٍ فيما إذا كان هناك مقيّد ومطلق ظاهر في إطلاقه مع أنّ في هذا الفرض لا يحصل للمطلق ظهور في إطلاقه من جهة إتّصال القيد به بل هو ظاهر في وحدة المطلوب ، ولا أقلّ من إجماله ، ونتيجته الأخذ بالمقيّد لأنّه هو القدر المتيقّن.
التنبيه الثالث : أنّ ما ذكرنا من حمل المطلق على المقيّد في باب الواجبات أو المحرّمات إنّما هو فيما إذا لم يكن من باب مفهوم الوصف وإلاّ فلا كلام ولا إشكال في لزوم حمل المطلق على المقيّد حينئذٍ لأنّه يرجع حقيقة إلى الصورة الاولى في المسألة ، أي ما إذا كان المطلق والمقيّد متخالفين الذي قد مرّ حكمه وهو لزوم التقييد بلا إشكال.
التنبيه الرابع : أنّ ما مرّ كان مختصّاً بما إذا كان المطلق والمقيّد من الأحكام التكليفية ، فما هو الحكم في الأحكام الوضعية كما إذا ورد دليل يقول « أحلّ الله البيع » وورد دليل آخر يقول : « نهى النبي عن بيع الغرر »؟
__________________
(١) المحاضرات : ج ٥ ، ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤.