والجواب عن الاستدلال بهذه الآيات أنّه وقع الخلط بين معصية القلب وبين نيّة المعصية والعزم عليها ، فهناك أفعال تصدر من القلب وتترتّب عليها العقاب نحو كتمان الحقّ وحبّ إشاعة الفحشاء والرضا بالمعاصي ( كما ورد في زيارة وإرث : ولعن الله امّة سمعت بذلك فرضيت به ) والاعتقاد بالأوثان والأصنام ، كما أنّ هناك أفعالاً اخرى تصدر من القلب وتترتّب عليه الثواب كالاعتقاد بالله ورسوله ، لكن هذا لا يستلزم منه ترتّب العقاب على جميع أفعال القلب حتّى مثل نيّة المعصية والعزم عليها ، وبعبارة اخرى : أنّ هذه الآيات تدلّ على حرمة خصوص بعض المصاديق من الأفعال الجوانحيّة المذكورة فيها ، وأين ذلك من حرمة كلّ فعل قلبي؟
أمّا الرّوايات فهي على طائفتين : طائفة تدلّ على أنّ نيّة المعصية معصية ، وطائفة اخرى تدلّ على عدمها أو العفو عنها.
أمّا الطائفة الاولى : فهي روايات عديدة لابدّ من البحث عن كلّ واحدة منها والنظر إليها مستقلاً حتّى يتّضح مقدار دلالتها على المدّعى ثمّ ملاحظتها من حيث المجموع.
منها : ما ورد في الجواب عن إشكال الخلود في النار أو في الجنّة مع كون العمل في الدنيا محدوداً بمقدار معيّن نحو خبر أبي هاشم ، قال : قال أبو عبدالله عليهالسلام : « إنّما خلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً ، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء ، ثمّ تلا قوله تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) قال : على نيّته » (١).
ولكن يناقش فيها بأنّها ممّا لا يمكن الالتزام بظاهرها لشمول إطلاقه من كان كافراً وليست نيّته في الدنيا أن لو خلّد فيها أن يعصى الله أبداً بل ربّما تكون نيّته أن يتوب بعد مدّة ، لكن مات على كفره قبل أن يتوب ، وشموله أيضاً مؤمناً ليست نيّته أن لو بقى في الدنيا أن يطيع الله أبداً ، لكن اتّفق موته على الطاعة ، ومن المسلّم أنّ الأوّل مخلّد في النار لأنّ الكافر خالد في النار مطلقاً بلا إشكال ، كما أنّه لا خلاف في أنّ الثاني لا يخلّد في النار ، وحينئذٍ فتحمل هذه الأخبار على أنّ الإمام عليهالسلام تكلّم فيها على قدر عقل المخاطب ، وأجاب بما يقتضيه استعداده وطاقته الفكريّة فيكون الجوا اقناعياً أو يردّ علمها إلى أهلها.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١ ، الباب ٦ ، من أبواب مقدّمات العبادات ، ح ٤.