وأمّا إشكال الخلود فلنا جواب آخر ذكرناه مفصّلاً في كتاب المعاد ، وملخّصه : أنّ الخلود في الواقع يرجع إلى تجسّم الأعمال وظهور خاصّية العمل وأثره ، فإنّ أثر كفر الكافر أن يخلّد في النار أبداً نظير إرشاد الطبيب مريضه بأنّك إن شربت الخمر أو السمّ تبتلِ بقرحة المعدة إلى آخر العمر.
ومنها : ما رواه فضيل بن يسار عن أبي جعفر عن آبائه عليهمالسلام أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « نيّة المؤمن أبلغ من عمله وكذلك نيّة الفاجر » (١).
لكن في الباب روايتان شارحتان لهذه الرّواية ، وتدلاّن على أنّه لا ربط لها بالمقام :
إحداهما : ما رواه زيد الشحّام قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : « أنّي سمعتك تقول : نيّة المؤمن خير من عمله ، فكيف تكون النيّة خيراً من العمل؟ قال : لأنّ العمل ربّما كان رياءً للمخلوقين ، والنيّة خالصة لربّ العالمين ، فيعطي عزّوجلّ على النيّة ما لا يعطي على العمل » (٢).
ثانيهما : ما رواه حسن بن الحسين الأنصاري عن بعض رجاله عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه كان يقول : « نيّة المؤمن أفضل من عمله ، وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه ، ونيّة الكافر شرّ من عمله وذلك لأنّ الكافر ينوي الشرّ ويأمل من الشرّ ما لا يدركه » (٣).
مضافاً إلى أنّ العمل بظاهرها مشكل جدّاً بل هو ممّا لا يتفوّه به فقيه ، حيث إن مقتضاه أن يكون مثلاً معصية من نوى شرب الخمر ولم يشرب ـ أشدّ ممّا إذا نوى وشربه ، وأمّا إذا شربه سهواً أو نسياناً بغير نيّة فلا عقاب له قطعاً فلا تكون الرّواية ناظرة إليه.
ومنها : ما رواه السكوني عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « نيّة المؤمن خير من عمله ونيّة الكافر شرّ من عمله ، وكلّ عامل يعمل على نيّته » (٤).
والجواب عن هذه هو الجواب عن الرّواية الثانية لاشتراكهما في المضمون كما لا يخفى.
ومنها : ما رواه جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال لي : ياجابر : يكتب للمؤمن في سقمه من العمل الصالح ما كان يكتب في صحّته ، ويكتب للكافر في سقمه من العمل السيّىء ما كان
__________________
(١) وسائل الشيعة : ح ٢٢ ، ج ١ ، الباب ٦ ، من أبواب مقدّمات العبادات.
(٢) المصدر السابق : ح ١٥.
(٣) المصدر السابق : ح ١٧.
(٤) المصدر السابق : ح ٣.