عند المكلّف على نجاسة الغسالة وحرمة استعمالها ، يمتنع عليه أن يعقد القلب على خلافها أو يلتزم جدّاً على طهارته ، إلاّ أن يرجع إلى تخطئة الشارع ( والعياذ بالله ) وهو خارج عن المقام.
وبذلك يظهر أنّ وجوب الموافقة الالتزاميّة وحرمة التشريع لا يرجع إلى محصّل إن كان المراد من التشريع هو البناء والالتزام القلبي على كون حكم من الشارع مع العلم بأنّه لم يكن من الشرع ، أو لم يعلم كونه منه ، ومثله وجوب الموافقة وهو عقد القلب اختياراً على الاصول والعقائد والفروع الثابتة بأدلّتها القطعيّة الواقعيّة.
والحاصل أنّ التشريع بهذا المعنى أمر غير معقول بل لا يتحقّق من القاطع حتّى يتعلّق به النهي ، كما أنّ الاعتقاد بكلّ ما ثبت بالأدلّة أمر قهري تتبع مبادئها ويوجد غبّ عللها بلا إرادة واختيار ولا يمكن التخلّف عنها ولا للحاصل له مخالفتها ، فلا يصحّ تعلّق التكليف لأمر يستحيل وجوده ، أو يجب وجوده بلا إرادة واختيار » (١).
أقول : لا يخفى أنّ لازم ما أفاده في المقام عدم وجود موضوع للبحث هنا فينتفي بانتفاء موضوعه لأنّه أنكر إمكان تعلّق الوجوب بالالتزام القلبي ثبوتاً فلا تصل النوبة إلى مقام الإثبات والبحث في أنّه هل يكون الالتزام القلبي واجباً شرعاً أو لا؟
لكن الإنصاف هو إمكان التفكيك بين العلم والالتزام القلبي ثبوتاً وأنّه يوجد وراء العلم شيئاً آخر اختياريّاً يسمّى بالتسليم والالتزام القلبي ، وإن شئت فعبّر عنه بالإيمان مقابل الإسلام ، وقد بيّنه المحقّق الإصفهاني رحمهالله في كلامه (٢).
وتوضيحه : أنّه إذا تيقّن الإنسان بشيء يجد بوجدانه في قبال يقينه وعلمه أمرين مختلفين : أحدهما : التسليم الجوارحي ، والثاني : التسليم الجوانحي فربّما يحصل له التسليم الجوارحي ولا يحصل له التسليم القلبي والانقياد الجناحي وبالعكس فيعلم كثيراً ما مثلاً بأهلية شخص للرئاسة والمرجعية لكنّه لا ينقاد له قلباً ولا يقرّبه باطناً لخباثة نفسه أو لعدم كونه من قومه وقبيلته أو لجهة اخرى ، وإن كان في مقام العمل يتحرّك بحركته خوفاً من سوطه وسطوته ، ونحن نعتقد أنّه من هذا القبيل الكفر الجحودي فكثير من الكفّار الذين نطق القرآن بكفرهم كانوا عالمين بحقّانيّة القرآن ونبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، ومع ذلك لم يكونوا منقادين ، ولو كان ملاك الإيمان
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٤٥ ـ ٤٦ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) راجع نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ٢٦ ، الطبع القديم.