الحقيقي نفس العلم لزم أن يكونوا مؤمنين به وأن يكون الشيطان أو فرعون مثلاً أظهر مصاديق المؤمن من أنّ كفرهم ممّا لا ينكره أحد ، ومن هنا يكون المراد من الجحود في قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) الجحد القلبي لا أنّهم جحدوا لفظاً وعملاً.
والعجب من تهذيب الاصول حيث إنّه مع ما ذهب إليه من عدم كون الالتزام القلبي اختياريّاً صرّح في ذيل كلامه بانفكاك العلم عن الإيمان وقال : « إنّ الإيمان ليس مطلق العلم الذي يناله العقل ويعدّ حظّاً فريداً له » ولم يبيّن أنّه كيف لا يلزم من عدم كون العلم عين الإيمان كون الالتزام والانقياد اختياريّاً بل قال : « وبما أنّ المقام لا يسع طرح تلك الأبحاث فليراجع من أراد التفصيل إلى محالّه » (١).
وكيف كان ، فإنّ عدم كون الإيمان والالتزام القلبي اختياريّاً ينافي ظاهر كثير من الرّوايات والآيات كالتي تأمر بالإيمان وتعلّق الأمر فيها بالتسليم القلبي كقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) ولو لم يكن الإيمان والتسليم أمراً اختياريّاً يكون هذا القبيل من الأوامر تكليفاً بما لا يطاق ، والقول بأنّها محمولة على تحصيل مبادئه وأسبابه تكلّف لا وجه له.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ محلّ البحث أنّه إذا علمنا بوجود شيء فهل يتصوّر فعل قلبي وراء العلم أو لا؟ فإن قبلنا وجود ذلك الفعل فيعقل ويتصوّر البحث عن وجوب الالتزام القلبي وعدمه وإلاّ فلا ، وقلنا أنّ الوجدان حاكم على وجود أمر آخر قلبي يسمّى بالالتزام والتسليم القلبي وهو المستفاد من ظاهر الآيات والرّوايات ، ومن هنا يعلم أنّ حقيقة التشريع هي الالتزام القلبي على كون حكم من الشارع مع العلم بأنّه لم يكن من الشرع أو مع عدم العلم بكونه منه.
هذا كلّه في إمكان تعلّق الوجوب على الالتزام وعدمه.
المقام الثاني : في أنّه بعد قبول إمكان تعلّق الوجوب ثبوتاً فهل يكون واجباً إثباتاً أو لا؟
فنقول : لا دليل لنا على وجوب الالتزام في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة تفصيلاً لا عقلاً ولا نقلاً وإن كان واجباً في الاصول الاعتقاديّة.
أمّا عقلاً فلأنّ العقل والعقلاء لا يحكمون باستحقاق العبد للعقوبة على ترك الالتزام القلبي
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ص ٤٩ ، طبع جماعة المدرّسين.