لأصالة البراءة لا الاشتغال ، والاشتغال مصبّه غير ذلك ، وهو ما إذا كان أصل المأمور به معلوماً وشكّ في وجوده خارجاً.
قال المحقّق النائيني رحمهالله هنا ما حاصله : أنّ أدلّة أصل البراءة كحديث الرفع جارٍ فيما كان وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون قاصراً عن الشمول لما يتحمّل اعتباره في الطاعة عقلاً كما في المقام ، حيث إن الشكّ فيه راجع إلى اعتبار أمر في الطاعة العقليّة ، ضرورة أنّ حسن الاحتياط من الأحكام التي يستقلّ العقل بها ، فمع الشكّ في تحقّقه لا يمكن التمسّك بحديث الرفع (١).
أقول : إن كان حسن الاحتياط في المقام من المستقلاّت العقليّة فلا معنى للشكّ فيه ، لأنّ لاعقل لا يشكّ في حكم نفسه ، فإمّا أن يحكم بكفاية الامتثال الإجمالي أو يحكم بعدمها ، ولا تردّد له فيه ، وحينئذٍ فلو كان هناك شكّ كان شكّاً في حكم الشرع ، أي شكّاً في الجزئيّة أو الشرطيّة الشرعيّة فيرجع إلى الأقلّ والأكثر الإرتباطيين الذي يكون مجرى لأصل البراءة.
وأمّا الدليل الثالث وهو لزوم اللعب بأمر المولى فاجيب عنه بجوابين :
أحدهما : أنّ التكرار لا يعدّ لعباً بأمر المولى إذا نشأ من دواعٍ عقلائيّة.
ثانيهما : سلّمنا ذلك ، ولكنّه لعب في كيفية الإطاعة لا في أصلها ، واللعب في كيفية العمل لا يوجب بطلان أصله.
لكن الإنصاف أنّ هذا الجواب غير تامّ ، لأنّ كيفية العمل ليست منفكّة عن أصل العمل بل هي متّحدة معه عرفاً.
وللمحقّق الإصفهاني رحمهالله هنا كلام وإليك نصّه : « إنّ المانع إمّا عدم صدور العمل عن داعٍ إلهي بل من غيره ، أو التشريك في الداعي بحيث لا يكون الأمر مستقلاً في الدعوة ، أو تعنون الفعل بنفسه بعنوان اللعب ، أو تعنون الفعل المأتي بداعي الأمر بعنوان اللعب ، والكلّ مفقود ، أمّا الأوّل فلأنّ المفروض أنّ المحرّك لفعل كلّ من المحتملات هو الأمر المحتمل تعلّقه به ، وأمّا الثاني فلأنّ المفروض عدم محرّك إلى ذات كلّ واحد من المحتملات سوى الأمر المحتمل فلا تشريك في الداعي ، وإلاّ فلو فرض التشريك لم يكن فرق بين الداعي العقلائي وغيره في المفسدية وعدم صدور العمل عن داعٍ إلهي مستقلّ في الدعوة ، وأمّا الثالث فلأنّ المفروض أنّ
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٤٥.