بعض الأغذية وشرب بعض آخر لرفع المرض والحصول على السلامة ، والمريض يتركها لكن لا لجهة مرضه وتحصيل السلامة عنه بل لما يترتّب عليها من العواقب والآلام.
بقي هنا امور :
الأوّل : إنّه هنا كان البحث في جواز الامتثال الإجمالي مع القدرة على تحصيل العلم التفصيلي واخترنا فيه الجواز ، أمّا إذا لم يقدر على تحصيل العلم التفصيلي بل كان قادراً على الظنّ التفصيلي الذي هو الغالب في الفقه كما مرّ وعليه يدور رحى الاجتهاد والتقليد فالكلام فيه أظهر ، بل يجوز الامتثال الإجمالي فيه بطريق أولى كما أشرنا إليه سابقاً.
الثاني : أنّ ما يقال من « أنّ الاحتياط في ترك الاحتياط » فهو صحيح على الإطلاق في بعض الموارد ، وهو ما إذا كان قادراً على العمل التفصيلي ، والوجه فيه هو الخروج عن القول بالخلاف ، أمّا إذا لم يقدر على العلم بل كان قادراً على الظنّ التفصيلي المعتبر ، فحينئذٍ لعلّ الاحتياط من بعض الجهات كان في العمل بالاحتياط لا في تركه ، وذلك لأنّ الاحتياط حينئذٍ يوصل الإنسان إلى الواقع قطعاً ، والظنّ المعتبر يوصله إليه ظنّاً ( مع قطع النظر عن ما يستلزم التكرار من مخالفة الاحتياط ).
الثالث : لا يخفى أنّ ما اخترناه من جواز الاحتياط لا يجري في نفس المسألة وهي « هل يجوز العمل بالعلم الإجمالي والاحتياط مع إمكان الاجتهاد أو التقليد؟ » بل لابدّ فيها من الاجتهاد أو التقليد وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
الرابع : كثيراً ما لا يمكن العمل بالإحتياط لكونه من موارد الدوران بين المحذورين ، ويرشدنا إلى هذه الموارد الرجوع إلى أبواب الحدود والتعزيرات والقصاص وكذلك باب الإرث وكثير من أبواب المعاملات ، وحينئذٍ لابدّ من الاجتهاد أو التقليد وعلى هذا العمل بالاحتياط مطلقاً غير ممكن.
الخامس : أنّ العمل بالاحتياط قد يوجب العسر والحرج لشخص الإنسان وقد يوجب اختلال النظام أو الاضرار بالغير كما إذا استلزم من احتياط إنسان الاضرار بعياله أو صديقه مثلاً ، فعلى الأوّل لا إشكال في جوازه وعدم حرمته لأنّه ليس ناشئاً من جانب الشارع بل هو نشأ من ناحية شخصه واختياره ، ولا كلام في أنّ المرفوع في أدلّة العسر والحرج هو الإلزام