وسيزول بالتأمّل ويرجع إلى أحد الأقسام الاخر ، ولذلك عبّر الشيخ بـ « كلّما قرأ سمعك ».
وكذلك الإمكان العادي لأنّ العادة لا يمكن أن تقع موضوعاً للأدلّة العقليّة ، وأيضاً الإمكان الذاتي لأنّه لا شكّ لأحد في أنّه لا مانع في إمكان التعبّد بالظنّ ذاتاً وأنّ حجّية الظنّ ليست كاجتماع النقيضين ، فيتعيّن حينئذٍ الإمكان الوقوعي ، فالمراد بالإمكان في المقام هو الوقوعي في مقابل من يدّعي الامتناع الوقوعي كابن قبّة (١) من قدماء الأصحاب.
ومن العجب أنّ المحقّق النائيني رحمهالله ذهب إلى « أنّ المراد من الإمكان المبحوث عنه في المقام هو الإمكان التشريعي ، بمعنى أنّ من التعبّد بالأمارات هل يلزم محذور في عالم التشريع من تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة ، واستلزامه الحكم بلا ملاك ، واجتماع الحكمين المتنافيين وغير ذلك من التوالي الفاسدة المتوهّمة في المقام ، أو أنّه لا يلزم شيء من ذلك؟ ثمّ قال : وليس المراد من الإمكان هو الإمكان التكويني بحيث يلزم من التعبّد بالظنّ أو الأصل محذور في عالم التكوين ، فإنّ الإمكان التكويني لا يتوهّم البحث عنه في المقام وذلك واضح » (٢).
ولكن لا يخفى ما فيه من أنّ كون موضوع الإمكان والاستحالة أمراً تشريعياً لا يقتضي خروج إمكانه عن التكوين إذا كان المحذور على كلّ لزوم اجتماع الضدّين في عالم التكوين أو صدور القبيح من الحكيم الذي يستحيل صدوره منه تكويناً أيضاً.
وبعبارة اخرى : المحذورات الخمسة التي سيأتي في بحث اجتماع الحكم الظاهري والواقعي وكذلك شبهة ابن قبّة ، كلّها ترجع إلى محذورات تكوينية ناشئة عن تشريع العمل بالظنّ فراجع وتدبّر.
والإنصاف أنّه لا معنى للإمكان التشريعي في مقابل الامتناع التشريعي إلاّحكم الشارع بالإباحة في مقابل الحرمة ، وأين هذا ممّا نحن بصدده.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ابن قبّة خالف إمكان حجّية خبر الواحد واستدلّ له بدليلين : أحدهما مختصّ بخبر الواحد ، والآخر عام يشمل جميع الأمارات الظنّية.
أمّا الأوّل : فهو أنّه لو جاز التعبّد بخبر الواحد في الإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله لجاز التعبّد به في
__________________
(١) هو من عيون الأصحاب وصالحيهم وكان معاصراً للشيخ المفيد رحمهالله والشيخ كان يروي عنه وكان من تلاميذه وهو صاحب كتاب الإنصاف ، وكان فقيهاً متكلّماً ، وقيل أنّه كان معتزلياً ثمّ استبصر.
(٢) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٨٨ ، طبع جماعة المدرّسين.