على موضوعين مختلفين لا على موضوع واحد لكي يستلزم مثلاً اجتماع الضدّين أو المثلين. توضيح ذلك : أنّه لا إشكال في أنّ الأحكام لا تتعلّق ابتداءً بالموضوعات الخارجيّة بل إنّما تتعلّق بالمفاهيم المتصوّرة في الذهن لكن لا من حيث كونها موجودة في الذهن بل من حيث إنّها حاكية عن الخارج ، فالشيء ما لم تتصوّر في الذهن لا تتّصف بالمحبوبيّة والمبغوضيّة ، وهذا واضح ، ثمّ إنّ المفهوم تارةً يكون مطلوباً على نحو الإطلاق واخرى على نحو التقييد ، والإطلاق والتقييد عنوانان لا يجتمعان في الذهن في آنٍ واحد ، فإذا فرضنا كون صلاة الجمعة حراماً بمقتضى دلالة أمارة مع أنّها واجب في الواقع فموضوع الوجوب هو صلاة الجمعة المتصوّرة على نحو الإطلاق ، وأمّا موضوع الحرمة فهو صلاة الجمعة المتصوّرة على نحو التقييد ، أي صلاة الجمعة المشكوك حكمها الواقعي فهما في رتبتين متفاوتتين : رتبة التقسيمات الأوّليّة السابقة ، ورتبة التقسيمات الثانويّة اللاحقة ، والأوصاف المتأخّرة عن الحكم لا يمكن ادراجها في موضوعه ، وحينئذٍ إذا فرضنا بعد ملاحظة اتّصاف الموضوع بكونه مشكوك الحكم تحقّق جهة المبغوضيّة فيه ، فيصير مبغوضاً بهذه الملاحظة لا محالة ولا يزاحمها جهة المطلوبيّة الملحوظة في ذاته لأنّ الموضوع بتلك الملاحظة لا يكون متعقّلاً فعلاً ، لأنّ تلك الملاحظة ملاحظة لذات الموضوع مع قطع النظر عن الحكم ، وهذه ملاحظة مع الحكم.
فإن قلت : العنوان المتأخّر وإن لم يكن متعقّلاً في مرتبة تعلّق الذات ولكن الذات ملحوظة في مرتبة تعقّل العنوان المتأخّر ، فعند ملاحظة العنوان المتأخّر يجتمع العنوانان في اللحاظ ، فلا يعقل المبغوضيّة في الرتبة الثانية مع محبوبيّة الذات.
قلت : إن تصوّر ما يكون موضوعاً للحكم الواقعي الأوّلي مبني على قطع النظر عن الحكم ( أي بنحو الماهيّة بشرط لا ) وتصوّره بعنوان كونه مشكوك الحكم لابدّ وإن يكون بلحاظ الحكم ( أي بنحو الماهيّة بشرط شيء ) ولا يمكن الجمع بين لحاظ التجرّد عن الحكم ولحاظ ثبوته (١).
أقول : وكلامه أيضاً قابل للمناقشة من جهات :
أوّلاً : من ناحية اعترافه بأنّ المفاهيم المتصوّرة في الذهن تتعلّق بها الأحكام من حيث إنّها حاكية عن الخارج ـ فيرد عليه أنّه لا اعتبار بما في الذهن حينئذٍ بل الاعتبار كلّه بما هو في
__________________
(١) راجع درر الفوائد : ج ٢ ، ص ٣٥١ ـ ٣٥٣ ، طبع جماعة المدرّسين.