طريقيتهم في دائرة القوانين العرفيّة العقلائيّة ، ولا شكّ في وجود المصلحة السلوكيّة فيها أيضاً كما مرّ آنفاً ، لأنّ اعتبار حصول القطع عندهم أيضاً يوجب لزوم الاختلال في نظامهم الاجتماعي ومعاشهم.
رابعها : « أنّ لازم تدارك المصلحة الواقعيّة بالمصلحة السلوكيّة هو الاجزاء وعدم لزوم الإعادة والقضاء إذ لو لم يتدارك مصلحة الواقع لزم قبح الأمر بالتطرّق ، ولو تدارك سقط الأمر ، والمفروض أنّ المصلحة القائمة بتطرّق الطريق ليست مقيّدة بعدم كشف الخلاف ، فما يظهر من التفصيل من الشيخ الأعظم رحمهالله وبعض أعاظم العصر ليس في محلّه » (١).
وفيه أيضاً : إنّ ما يتصوّر من المصلحة في الأمارات على نوعين : تارةً هي مصلحة تقوم مقام المصلحة الواقعيّة فإشكاله حينئذٍ وارد ، فلا بدّ من القول بالإجزاء مطلقاً سواء انكشف الخلاف أو لم ينكشف ، واخرى ليست هي مصلحة تقوم مقامها ولكن في نفس الحال تكون أهمّ منها نظير العثور على الكنز لمن يحفر البئر للوصول إلى الماء ، مع أنّها لا تقوم مقامها أصلاً ولا يرتفع بها الظمأ ، ومن هذا القبيل مصلحة التسهيل وعدم خروج الناس عن الدين في المقام ، وحينئذٍ لو انكشف الخلاف وظهرت المصلحة الواقعيّة لابدّ من إحرازها والحصول عليها بالإعادة أو القضاء على القول بعدم الاجزاء.
والعجب من قوله أخيراً : « والمفروض أنّ المصلحة القائمة بتطرّق الطريق ليست مقيّدة بعدم كشف الخلاف » لأنّه ليس في البين إطلاق حتّى يتمسّك به ويستفاد منه وجود المصلحة في السلوك في كلتا الصورتين بل الدليل في المقام هو حكم العقل والقدر المتيقّن منه صورة عدم انكشاف الخلاف.
بقى هنا شيء : وهو أنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا فرق في إمكان الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ورفع المحاذير المتوهّمة بين الأمارات والاصول فنقول في موارد الاصول العمليّة أيضاً : أنّ الحكم الواقعي إنشائي والظاهري ( أي مفاد الأصل ) فعلي مع وجود المصلحة في سلوكها ومن دون فرق بين التنزيلية منها وغير التنزيليّة.
هذا تمام الكلام في الأمر الثاني ( أي في إمكان التعبّد بالظنّ ).
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٦٤ ـ ٦٥ ، طبع جماعة المدرّسين.