لكن للمحقّق الحائري رحمهالله هنا بياناً يليق بالذكر وحاصله : أنّه إذا ثبت عندنا أمران نقطع بأنّ مراد المتكلّم هو ما يستفاد من ظاهر اللفظ :
أحدهما : أن نعلم بأنّ المتكلّم يكون في مقام البيان وتفهيم المراد.
ثانيهما : أن نعلم أنّه لم ينصب قرينة توجب إنصراف اللفظ عن ظاهره.
واستدلّ له بأنّه لولا ذلك لزم نقض الغرض ، أي لزم الالتزام بأنّه تصدّي لنقض غرضه عمداً وهذا مستحيل ، ولذلك لا يختصّ ذلك بمورد يكون المتكلّم حكيماً لأنّ العاقل لا يعمل عملاً يكون فيه نقض غرضه سواء كان حكيماً أم لا ، وهذا واضح.
هذا كلّه إذا أحرزنا المقدّمتين كلتيهما ، أمّا إذا شككنا في أنّ المتكلّم أراد من اللفظ معناه الظاهر أو غيره ، فإمّا أن يكون الشكّ من جهة الشكّ في كونه في مقام التفهيم ، وإمّا من جهة الشكّ في وجود القرينة ، وإمّا من جهة كليهما ، فيقول بالنسبة إلى الصورة الاولى : أنّ الأصل المعوّل عليه عند العقلاء كونه في مقام تفهيم مراده ، وهذا الأصل لا شبهة لأحد منهم فيه ، وبالنسبة إلى الصورة الثانية يقول : هل الأصل المعوّل عليه فيها هو أصالة عدم القرينة أو أصالة الحقيقة ( أصالة الظهور )؟ وتظهر الثمرة بينهما فيما لو إقترن بالكلام ما يصلح لكونه قرينة ، فعلى الأوّل يوجب إجمال اللفظ لعدم جريان أصالة عدم القرينة مع وجود ما يصلح للقرينيّة ، وعلى الثاني يؤخذ بمقتضى المستفاد من الوضع والمستظهر من اللفظ حتّى يعلم خلافه.
ثمّ قال : « فاعلم أنّ اعتبار الظهور الثابت للكلام وإن شكّ في احتفافه بالقرينة ممّا لا إشكال فيه في الجملة ، وأمّا كون ذلك من جهة الاعتماد على أصالة الحقيقة كي لا يرفع اليد عنها في صورة وجود ما يصلح للقرينيّة فغير معلوم ، وإن كان قد يدّعي أنّ بناء العقلاء على الجري على ما يقتضيه طبع الأشياء ما داموا شاكّين في الصحّة والفساد لأنّ مقتضى طبع كلّ شيء إن يوجد صحيحاً ، والفساد يجيء من قبل أمر خارج عنه ، ولعلّه من هذا القبيل القاعدة المسلّمة عندهم « كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض » فإنّ مقتضى طبع المرأة أن يكون الدم الخارج منها دم حيض وغيره خارج عن مقتضى الطبع ».
ثمّ قال : « وعلى هذا نقول : أنّ مقتضى طبع اللفظ الموضوع أن يستعمل في معناه الموضوع له لأنّ الحكمة في الوضع تمكّن الناس من أداء مراداتهم بتوسّط الألفاظ فاستعماله في غيره إنّما جاء من قبل الأمر الخارج عن مقتضى الطبع ... إلى أن قال : وكيف كان فالمتيقّن من الحجّية هو