الكتاب ، فنقول : دليلنا على ذلك امور :
الأوّل : أنّها مقتضى القاعدة الأوّليّة لأنّ بناء العقلاء استقرّ على حجّية الظواهر مطلقاً ، ومنها ظواهر القرآن الكريم ، واستثنائها منها بغير دليل معتبر ممّا لا وجه له.
وإن شئت قلت : المقصود في الآيات تفهيم معانيها للناس من طريق ظواهرها فعدم حجّية ظواهرها يستلزم نقض الغرض كما لا يخفى.
الثاني : آيات من القرآن نفسه : منها قوله تعالى : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١).
ومنها : قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ ) (٢).
إن قلت : إثبات حجّية ظواهر الكتاب بالكتاب يستلزم الدور المحال.
قلنا : أنّه كذلك إذا كان الاستدلال بظواهر الآيات مع أنّه في المقام استدلال بنصوصها التي لا ينكرها الأخباريون أيضاً.
الثالث : ( وهو العمدة ) دلالة طوائف من الأخبار على حجّيتها :
الطائفة الاولى : حديث الثقلين (٣) ، فإنّ ظاهره أنّ كلاً من الكتاب والعترة حجّة مستقلاً ، وإنّ الكتاب هو الثقل الأكبر ، والعترة الطاهرة عليهمالسلام هو الثقل الأصغر ، وإن كان كلّ واحد منهما يؤيّد الآخر ويوافقه ، نظير حكم العقل وحكم الشرع في قاعدة الملازمة فليست حجّية حكم العقل مقيّدة بدلالة الشرع وبالعكس ، وإن كان يؤيّد أحدهما بالآخر ، فكذلك في ما نحن فيه ، وإلاّ لو كانت حجّية دلالة الكتاب مقيّدة بدلالة الرّوايات لكانت دلالة الرّوايات أيضاً مقيّدة بدلالة الكتاب مع أنّه لم يقل به أحد.
الثانية : ما يدلّ على أنّ القرآن هو الملجأ عند المشاكل والحوادث ، والمرجع عند التباس
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ١٥ و ١٦.
(٢) سورة الشعراء : الآية ١٩٢ ـ ١٩٥.
(٣) وقد جمع إسناد هذا الحديث القيّم من طرق العامّة والخاصّة في كتاب جامع أحاديث الشيعة الذي جمع تحت إشراف سيّدنا الاستاذ المحقّق البروجردي رحمهالله فراجع : ج ١ ، الباب ٤ ، من أبواب المقدّمة.