ولا فرق عندهم بين الصورتين كما تشهد عليه شواهد كثيرة :
منها : أنّ القضاة لا يزالون يستندون إلى الشرائط التي حصلوا عليها من ناحية شخص أقرّ صديقه بشيء عنده مع أنّه هو المقصود بالإفهام.
ومنها : اعتمادهم بسجلاّت الأوقاف حتّى في ما إذا كان المخاطب فيها شخص المتولّي أو خصوص إنسان آخر.
ومنها : اعتمادهم بالمكالمات التلفونية أو المكاتبات السرّية التي يكون غير المخاطب فيها مقصوداً بالإخفاء فضلاً عن عدم كونه مقصوداً بالإفهام واستدلالهم بها. هذا أوّلاً.
وثانياً : سلّمنا باختصاص حجّية الظواهر بمن قصد إفهامه إلاّ أنّه لا تترتّب عليه ثمرة بالنسبة إلى خطابات القرآن والرّوايات.
أمّا الاولى : فلأنّ القرآن خاتم الكتب السماويّة ولا إشكال في أنّ المقصود بالإفهام من خطاباتهم جميع الناس إلى الأبد ، ولذلك ورد الأمر بالترتيل عند قرائتها واجابة خطاباتها بقول القاري « لبّيك ربّنا ».
وأمّا الثانية : فلأنّها على قسمين : قسم يكون من قبيل تأليف المؤلّفين للكتب التي ليس المقصود بالإفهام فيها شخصاً خاصّاً أو أشخاصاً معينين ، ولا إشكال فيها للمحقّق القمّي رحمهالله نفسه أيضاً ، وقسم آخر لا يكون كذلك إلاّ أن عدالة الراوي أو وثاقته وأمانته في النقل تقتضي نقل القرائن التي دخيلة في الفهم من الرّواية أيضاً بحيث يعدّ عدم نقله إيّاها من الخيانة في النقل.
فتلخّص أنّ كلامه مضافاً إلى عدم تناسبه مع الدليل المعتبر في حجّية الظواهر لا تترتّب عليه ثمرة في ما بأيدينا من آيات الكتاب وأخبار السنّة.
هذا كلّه في الأمر الثاني.
أمّا الأمر الثالث : وهو حجّية ظواهر كتاب الله مستقلاً فالمعروف والمشهور بين أصحابنا الإماميّة هو الحجّية ، وأنكرها جماعة من الأخباريين ، وقالوا بعدم حجّيتها قبل ورود تفسير الأئمّة المعصومين ، وهذا التفريط الذي يقصر الحجّة في الرّواية إنعكاس في الواقع لإفراط من قال : « حسبنا كتاب الله » ، وكلّ واحد منهما جائر عن سواء السبيل.
وكيف كان ، قبل بيان أدلّة الأخباريين لابدّ من ذكر الأدلّة التي تدلّ على حجّية ظواهر