باب أنّ الحدود تدرؤا بالشبهات.
نعم ، هيهنا تفصيل آخر ( وهو المختار ) بين ما إذا كان الظنّ الشخصي مخالفاً لقرينة توجب الظنّ على الخلاف ، لمن اطّلع عليها غالباً بحيث تكون قابلة للإرائة والاستناد بها على الخلاف ، وما إذا لم يكن كذلك ، فيمكن أن يقال : إنّ العقلاء لا يعتمدون على الكلام في الصورة الاولى وإن كان ظاهراً في المراد عرفاً.
هذا كلّه في الأمر الأوّل.
وأمّا الأمر الثاني : وهو تفصيل المحقّق القمّي رحمهالله بين من قصد إفهامه بالكلام وغيره وأنّ ظواهر الكتاب حجّة بالنسبة إلى الأوّل دون الثاني ، فتظهر ثمرته في الخطابات الشفاهيّة في القرآن الكريم حيث إنّه بناءً على هذا التفصيل يختصّ هذا القبيل من الخطابات بالمشافهين دون الغائبين والمعدومين لعدم كونهم مقصودين بالإفهام ، كما تظهر الثمرة أيضاً في الرّوايات التي كان شخص الراوي لها مقصوداً بالإفهام كما إذا سئل زرارة مثلاً مسألة شخصية خاصّة بنفسه فليست ظواهر هذا القبيل من الرّوايات حجّة بالنسبة إلينا بناءً على التفصيل المذكور بل تنحصر الحجّة منها في الرّوايات التي يكون المخاطب فيها أعمّ من المشافهين كالتي ورد فيها قوله عليهالسلام : « فليبلّغ الشاهد الغائب » وهي من قبيل خطبة النبي صلىاللهعليهوآله في مسجد الخيف وخطبته في منى.
وعلى كلّ حال استدلّ الميرزا القمّي رحمهالله بما حاصله ( على ما ذكر المحقّق الإصفهاني رحمهالله لكلامه من التوجيه ) أنّ دليل حجّية ظواهر الكتاب إنّما هو عدم تحقّق نقض الغرض ( لأنّ عدم حجّية الظاهر مع كون المتكلّم في مقام البيان ومع أنّه لم ينصب قرينة على الخلاف يوجب نقض الغرض ) وهو خاصّ بالمقصودين بالإفهام فقط لأنّه يكفي نصب القرائن الحاليّة أو المقاليّة لمن قصد إفهامه فحسب وأمّا اختفائها ممّن لم يقصد إفهامه فلا يوجب نقض غرضه من الكلام ، وبعده لا يبقى دليل لحجّية ظاهر كلامه بالنسبة إلى غيرهم (١).
أقول : الإنصاف كما ذهب إليه المحقّقون هو عدم الفرق بين من قصد إفهامه وغيره ، وذلك لعدم انحصار دليل حجّية الظواهر في لزوم نقض الغرض ، بل العمدة فيها إنّما هي بناء العقلاء ،
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ٦٢ ، الطبع القديم.