علماً باقياً في أوصيائه فتركهم الناس وهم الشهداء على أهل كلّ زمان حتّى عائدوا من أظهر ولاية ولاة الأمر وطلب علومهم ، وذلك أنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض ... ولهذه العلّة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى ولا نبيّه وأوصياؤه » (١) ودلالتها أيضا على المطلوب ظاهرة.
الوجه الرابع : روايات تدلّ على أنّ مخاطب القرآن إنّما هو الرسول صلىاللهعليهوآله والأئمّة الهادين ، وهذه صغرى إذا انضمّت إلى كبرى اختصاص حجّية الظواهر بمن خوطب به يستنتج منها أنّ ظواهر الكتاب ليست حجّة لغير الأئمّة عليهمالسلام :
منها : ما رواه زيد الشحّام قال : دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليهالسلام فقال : « ياقتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ » فقال : هكذا يزعمون فقال أبو جعفر عليهالسلام : « بلغني أنّك تفسّر القرآن ـ إلى أن قال أبو جعفر عليهالسلام ـ ويحك ياقتادة إن كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، ويحك ياقتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به » (٢).
وفيه إشكال صغرى وكبرى : أمّا الصغرى فلأنّ اختصاص مخاطبي القرآن بالرسول صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام كلام غير معقول ، لما ورد من أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يحتجّ مع المشركين بهذه الآيات ، وكان المشركون والكافرون يخاطبون بها بمثل قوله تعالى : « يا أهل الكتاب » و « يا أيها الكافرون » و « يا أيّها الناس » ولا يكاد ينتظرون تفسير النبي صلىاللهعليهوآله الذي لم يؤمنوا به.
وأمّا رواية قتادة فهي تفسّر بما رواه شبيب بن أنس عن بعض أصحاب أبي عبدالله عليهالسلام في حديث أنّ أبا عبدالله قال لأبي حنيفة : « أنت فقيه العراق؟ » قال : نعم قال « فبم تفتيهم؟ » قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله قال : « يا أبا حنيفة : تعرف كتاب الله حقّ معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ » قال : نعم ، قال : « يا أبا حنيفة لقد ادّعيت علماً ويلك ما جعل الله ذلك إلاّعند أهل الكتاب الذي انزل عليهم ، ويلك ولا هو إلاّعند الخاصّ من ذرّية نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله ، وما ورّثك الله من كتابه حرفاً » (٣).
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ح ٦٢ ، الباب ١٣ ، من ابواب صفات القاضي.
(٢) المصدر السابق : ح ٢٥.
(٣) المصدر السابق : الباب ٦ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٧.