لهم دويّاً كدويّ النحل ، واهتمامهم بالتبرّك به حتّى صاروا يجعلون تعليمه مهراً لأزواجهم.
فمع ملاحظة هذه الجهات والقرائن يحكم العقل بعدم إمكان أن تنال أيدي التحريف إليه.
الوجه الثاني : آيات من نفس الكتاب العزيز كالصريحة في الدلالة على عدم التحريف ، ولا يخفى أنّ الاستدلال بها ليس دوريّاً لأنّ المدّعى يدّعي التحريف بالنقيصة لا الزيادة والقرآن الموجود في يومنا هذا بما فيه من الآيات مقبول عند الجميع :
منها قوله تعالى : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ولتقريب دلالة هذه الآية على المقصود لابدّ من تفسير كلمتين : « الذكر » والحفظ » فما المراد من الذكر؟ وما المراد من الحفظ؟
فنقول : أمّا معنى كلمة الذكر فواضح لأنّ قوله تعالى : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) شاهد قطعي على أنّ المراد من الذكر في قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) هو القرآن بل هذه الآية تدلّ على شهرة هذا الاسم للقرآن بحيث يستعمله الكفّار المنكرون للوحي أيضاً.
أضف إلى ذلك وجود آيات كثيرة تطلق هذا الاسم على القرآن : منها قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٢) ، ومنها قوله تعالى : ( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) (٣) ، والأوضح منها قوله تعالى : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) (٤) ، وقوله تعالى : ( أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي ) (٥) ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) (٦) وقوله تعالى : ( وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) (٧).
__________________
(١) سورة الحجر : الآية ٦ ـ ٩.
(٢) سورة النحل : الآية ٤٤.
(٣) سورة الأنبياء : الآية ٥٠.
(٤) سورة يس : الآية ٦٩.
(٥) سورة ص : الآية ٨.
(٦) سورة القلم : الآية ٥١.
(٧) سورة القلم : الآية ٥٢.