وما قد يقال : من أنّ المراد منه هو النبي صلىاللهعليهوآله وقوله تعالى : ( نَزَّلْنَا ) بمعنى « أرسلنا » وذلك بقرينة قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ ) (١) حيث إن كلمة « رسولاً » وقعت في هذه الآية بدلاً عن كلمة « ذكراً » فيكون الذكر بمعنى الرسول.
فجوابه أوّلاً : لو سلّم استعمال الذكر في خصوص هذه الآية في الرسول مجازاً فهو لا يوجب استعماله فيه مجازاً أيضاً في سائر الآيات من دون نصب قرينة عليه مع صراحته في تلك الآيات في القرآن.
ثانياً : إنّ استعماله في الرسول في هذه الآية أيضاً محلّ كلام ، لأنّه لا مناصّ في الآية من إرتكاب أحد خلافي الظاهر : أحدهما إطلاق الذكر على الرسول مع عدم كونه في اللغة بمعنى الرسول كما هو واضح ، وثانيهما كون الرسول مفعولاً به لفعل محذوف أعني « أرسل » ، وكثير من المفسّرين رجّحوا الثاني على الأوّل وهو المختار في كتابنا في التفسير.
ثالثاً : لو سلّمنا أنّ الذكر في الآية المبحوث عنها في محلّ النزاع بمعنى الرسول لكن لا بأس أيضاً بالاستدلال بها على المطلوب ببيان إنّه إذا دلّت الآية على محافظته تعالى عن الرسول فتدلّ على حفظه للقرآن الكريم بطريق أولى.
وأمّا كلمة الحفظ : فيحتمل فيها وجوه عديدة :
أحدها : أن يكون المراد منها الحفظ المنطقي والاستدلالي ، ويكون المقصود حينئذٍ أنّه لا يصير مغلوباً لأي منطق واستدلال.
الثاني : أن يكون بمعنى العلم ، أي « وإنّا له لعالمون ».
الثالث : أن يكون المراد منه الحفظ من جميع الجهات من الزيادة والنقصان ومن المقابلة بالمثل والغلبة بالمنطق وغيرها ، وهذا هو الظاهر ، ولا دليل على التحديد والتقييد.
إن قلت : إن كان المراد من الحفظ الحفظ العامّ ومن جميع الجهات فهو متيقّن العدم لما وقع في التاريخ بالنسبة إلى مصاحفه من الإندراس والصبّ في البحر وإحراقها من جانب عثمان وغيره أحياناً بأي غرض كان ، وإن كان المراد منه حفظ مّا ، فهو حاصل ولو بالقرآن المحفوظ عند
__________________
(١) سورة الطلاق : الآية ١٠.