الحجّة عليهالسلام وحينئذٍ لا تدلّ الآية على المدّعى.
قلنا : إنّ للحفظ معناً عرفياً لا يصدق على شيء من المعنيين ( الحفظ الكلّي والحفظ الجزئي ) وهو كون الكتاب في أيدي الناس ووجوده بينهم ، فالمراد من قوله تعالى « لحافظون » لحافظونه عند الناس وبينهم لا بمعنى حفظ جميع المصاديق أو مصداق من مصاديقه ، كما أنّه إذا قيل « إنّ ديوان الشاعر الفلان موجود ومحفوظ إلى اليوم » لا يكون المقصود منه أنّ جميع مصاديقه بقيت محفوظة أو مصداق من مصاديقه محفوظ في متحف من المتاحف بل المراد منه بقاؤه بين الناس وبين أيديهم كما لا يخفى.
إن قلت : إنّ هذه الآية مكّية تشمل الآيات النازلة إلى زمان نزولها لا غيرها.
قلنا : لا خصوصيّة للآيات المكّية قطعاً لأنّ القرآن كتاب هداية يحتاج إليه الناس في هدايتهم ، ولا فرق في هذه الجهة بين آية وآية ، وحفظ بعضها دون بعض من جانب الحكيم لغو وترجيح بلا مرجّح.
وبالجملة هذا الإشكال من أضعف الإشكالات وأرديها.
ومنها : قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (١) ).
وقبل تقريب الاستدلال بها لابدّ من تعيين خبر « إنّ » في قوله تعالى : « إنّ الذين كفروا ... » فنقول : فيه ثلاث وجوه :
الأوّل : ( وهو أحسنها الذي ذهب إليه الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان ) أن يكون الخبر في التقدير ، أعني « سوف يجازيهم الله » أو « سيجازيهم الله ».
الثاني : أن يكون الخبر قوله تعالى في بعض الآيات اللاحقة « اولئك ينادون من مكان بعيد » ، لكن هذا المقدار من الفصل بين المبتدأ والخبر بعيد في الكلام الفصيح.
الثالث : أن يكون الخبر قوله تعالى : « وإنّه لكتاب عزيز » بأن يكون المقصود منه أنّه لا يقدر أحد على أن يغلب كتاب الله لكونه عزيزاً ، فوقع علّة الخبر موقعه.
وكيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الآية على عدم التحريف يتوقّف على بيان معنى
__________________
(١) سورة فصّلت : الآية ٤١ ـ ٤٢.