الباطل في قوله تعالى : ( لَايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) فقد ذكر فيه وجوه عديدة :
أحدها : كونه بمعنى المقابلة بالمثل فيكون المعنى حينئذٍ « لا يأتيه مثل له حتّى يبطله ».
ثانيها : أن يكون بمعنى الشيطان ، فيكون المراد أنّ الشيطان لا يمكنه أن يحرّفه أو يمحوه من القلوب.
ثالثها : كونه بمعنى النسخ ، أي لا تضادّه الكتب السماويّة من قبل ولا ينسخه كتاب سماوي من بعد.
رابعها : أن يكون بمعنى الكذب في الأخبار كما نقل الطبرسي رحمهالله عن الإمام الباقر عليهالسلام : « ليس في أخباره عمّا مضى باطل ولا عمّا يكون في المستقبل باطل » (١).
خامسها : كونه بمعنى مطلق البطلان ، فيكون المقصود : لا يأتيه أي باطل من أي جهة من الجهات كما ورد في مجمع البيان : « لا تناقض في ألفاظه ولا كذب في أخباره ولا يعارض ولا يزداد ولا يغيّر » (٢).
وهذا هو المختار لأنّه لا وجه للتقييد ما دام لم توجد قرينة عليه ، وقوله تعالى في الذيل : ( تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) بمنزلة التعليل للصدر ، أي كما أنّ المنزل منه يكون عالماً حكيماً ومنعماً حميداً إلى الأبد لابدّ أن يكون المنزل الذي هو حكمة من جانب ونعمة من جانب آخر باقياً بين الناس أيضاً.
وأمّا تفسير الباطل بالكذب في الرّواية فهو من باب ذكر أحد المصاديق الواضحة وما كان محلاً لحاجة الناس.
إن قلت : إن كان المراد من عدم إتيان الباطل عدمه على نهج القضيّة الكلّية فهو قطعي البطلان ( كما مرّ نظيره في الآية السابقة ) وإن كان المراد عدم الإتيان على نهج القضيّة الجزئيّة فهو يصدق بالنسبة إلى المصحف الموجود عند الإمام الحجّة عليهالسلام فلا يثبت عدم إتيانه الباطل بالإضافة إلى غيره من المصاحف.
قلنا : الجواب هو الجواب ، وهو أنّ الحفظ أو عدم إتيان الباطل مفهوم عرفي والقرآن كتاب
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٣ ، طبع دار المعرفة في بيروت.
(٢) المصدر السابق :