للهداية فلا يصدق هذا العنوان إذا لم يكن القرآن محفوظاً بين الناس لهدايتهم وإن كان محفوظاً عند الإمام الحجّة عليهالسلام.
وأمّا الإشكال الآخر الذي أورد على الآية السابقة المبنى على كون الآية مكّية فلا يرد هنا لأنّ ذيل الآية : « من بين يديه ومن خلفه » يعمّ عدم الإيتان في المستقبل أيضاً.
الوجه الثالث : روايات لا إشكال في دلالتها على عدم التحريف قطعاً :
منها : حديث الثقلين المتواتر من طرق العامّة والخاصّة (١) حيث إنّه ورد في ذيلها : « ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » وفي بعض الطرق « لن تضلّوا أبداً ».
فاستدلّ بها بملاحظة هذا الذيل بأحد وجهين :
الأوّل : أنّ مقتضى الذيل بقاء ما يمكن أن يتمسّك به بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الأبد مع أن التحريف بحذف بعض الآيات يوجب سلب الاعتماد عن سائر الآيات بمقتضى ما روي أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً ، فتسقط بقيّة الآيات عن الحجّية.
الثاني : ( وهو العمدة ) أنّ مقتضاه عدم ضلالة الامّة إذا تمسّكوا بهذا الكتاب العزيز ، والقول بالتحريف بالنقيصة من شأنه سلب المصداقيّة الاهتداء بالقرآن فلا يأمن من الضلالة ، لأنّ الآيات المحذوفة لابدّ وأن تكون ممّا يرتبط بباب الولايات والسياسيات كما مرّ ، والقرآن المجرّد عنها لا يمكن أن يمنع عن الضلالة.
إن قلت : لا فرق في هذه الجهة بين الثقل الأكبر والأصغر ، فكما أنّ الحرمان عن هداية الثقل الأصغر بغيبة الإمام عليهالسلام لا ينافي هذه الرّواية كذلك الحرمان عن هداية الثقل الأكبر.
قلنا : الفرق بينهما واضح ، وذلك لأنّ غيبة الإمام عليهالسلام لا تنافي بقاء اهتداء الناس به لأنّهم عليهمالسلام أراؤوا طرق الهداية في أكثر من مأتي سنة ضمن رواياتهم ، وقد أودعوا هداياتهم في طيّات أخبارهم فهم متمثّلون ضمن هذه الأخبار ، وكأنّهم إحياء بحياتها وبقائها ، بينما تحريف القرآن يقتضي الحرمان عن هدايته بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله من دون فصل ، لأنّ القائل بالتحريف يقول بوقوعه بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى زمن جمع عثمان له من دون أن يقوم مقامه شيء ، نعم هذا القياس يتمّ لو وقعت الغيبة أيضاً بمجرّد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) مرّت الإشارة إلى أسنادها إجمالاً عند الاستدلال بها لحجّية ظواهر الكتاب فراجع.