ينقلان عن قارئهما مع واسطة إلاّراوي عاصم.
وهكذا بالنسبة إلى المرحلة الثانية لأنّه في عصر عاصم مثلاً لا يعيش من القرّاء المعروفين أحد إلاّشخص عاصم ، وكذلك بالنسبة إلى المرحلة الثالثة لأنّ هؤلاء القرّاء تولّدوا بعد مدّة طويلة بعد النبي صلىاللهعليهوآله ولا دليل على وجود التواتر بينه وبينهم.
نعم نعلم إجمالاً بكون كثير من هذه القراءات مشهورة بين الناس ، ولكن هذا المقدار من الشهرة غير كافٍ في إثبات المقصود.
وعلى هذا فدعوى تواتر القراءات دعوى عجيبة بلا دليل ، بل الدليل موجود على خلافه ، وهو ما مرّ سابقاً أنّ عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة ، لأنّ الاختلاف في القراءة من شأنه أن يؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين وتمزيق صفوفهم ولذلك لم يعترض أحد من الصحابة عليه مع أنّه لو كانت القراءات متواترة لم يكن وجه لسكوتهم.
هذا مضافاً إلى أنّ نزول القرآن على النبي صلىاللهعليهوآله على سبعة أحرف في نفسه أمر غير ثابت بل غير معقول كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لا معنى للاحتمال الثالث وهو جواز القراءة مع عدم الحجّية في العمل لأنّه إذا استفدنا من الرّوايات المتظافرة ( التي تقول : اقرأوا كما قرأ الناس ) جواز القراءة شرعاً نستفيد منها الحجّية بالملازمة العرفيّة ، أي الحجّية حينئذٍ مدلول التزامي لتلك الرّوايات ، فلا وجه لإنكار الملازمة من ناحية المحقّق الخراساني رحمهالله وصاحب البيان واستدلالهم بأنّ الرّواية تقول : « اقرأوا » ولا تقول : « اعملوا ».
المسألة الثانية : في مقتضى كلّ واحد من هذه الاحتمالات : فنقول : إذا قلنا بتواتر القراءات فلازمه حجّية جميعها والقطع بصدور الجميع ، وحينئذٍ لا تعارض بينها من ناحية السند بل التعارض ثابت في دلالاتها ، فلو كان واحد منها أظهر من الباقي يؤخذ به وإلاّ تتعارض ثمّ تتساقط الجميع عن الحجّية.
وإن قلنا بالاحتمال الثاني فتكون المسألة من باب الخبرين المتعارضين اللذين كلاهما حجّة ، وحينئذٍ بما أن أدلّة إعمال المرجّحات خاصّة بالسنّة الظنّية تكون النتيجة تساقط الخبرين عن الحجّية ، وإن كان لأحدهما ترجيح على الآخر فتصل النوبة إلى الاصول العمليّة ، وسيأتي ما تقتضيه هذه الاصول إن شاء الله.